يوم الخميس 28 كانون الأوّل 2017 وتحت شعار "لا للغلاء" إندلعت تظاهرات شعبيّة في مدينة مشهد، قبل أن يزداد عددُ المُشاركين فيها ويتوسّع نطاقها ليشمل العديد من المناطق والمُدن في ​إيران​ مع كل يوم إضافي من التظاهرات التي أنهت أسبوعها الأوّل. فهل الأحداث هي بتدبير خارجي في ظلّ المواقف الداعمة من ​واشنطن​ وُصولاً إلى ​الرياض​، وهل يُمكن أن تؤدّي إلى ثورة شاملة على نظام الحُكم، كما حصل في الدول العربيّة خلال السنوات الماضية؟.

بداية من الضروري التذكير أنّ التظاهرات والإحتجاجات الواسعة النطاق ليست الأولى من نوعها في تاريخ إيران الحديث، ومن بينها مثلاً ما عُرف بإسم "الثورة الخضراء" في حزيران من العام 2009(1)، لكن كلّ هذه التحرّكات السابقة إنتهت من دون تحقيق أيّ من المَطالب المرفوعة، بسبب مُسارعة السُلطات الحاكمة إلى تنفيذ سياسة حازمة بوجه مُعارضيها، بالتزامن مع تحريك مُناصريها للمُؤازرة. ومع مَوجة التظاهرات ​الجديدة​ التي إندلعت قبل نحو أسبوع تحت شعارات إقتصاديّة وإجتماعيّة قبل أن تتحوّل إلى شعارات سياسيّة مُطالبة بإسقاط النظام، نظّمت السُلطة الإيرانية الحاكمة مسيرات حاشدة في مُختلف المُحافظات الإيرانيّة، حيث قام مُناصروها خلالها بإعلان تأييدهم لمبادئ ولسياسات الجمهورية الإسلامية، وبتجديد البيعة للوليّ الفقيه. وإستغلّت السُلطة في إيران الشعارات السياسيّة، وإندلاع أعمال شغب مُتفرّقة، لإتهام المُتظاهرين بتنفيذ أجندات خارجيّة، وبتلقّي الدعم من أجهزة إستخباريّة غربيّة، لتبرير سياسة القمع المُتشدّدة التي بدأت بانتهاجها ضدّهم، ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى إضافة إلى إعتقال المئات.

بالنسبة إلى أسباب هذه التظاهرات الواسعة فهي في جانب منها إقتصاديّة-معيشيّة، وتعود إلى إزدياد أعداد ​الفقر​اء في إيران على حساب تراجع الطبقة الوسطى(2)، وإلى وارتفاع نسب ​البطالة​ من دون أي مُعالجة فعّالة من جانب السُلطة، وإلى إنهيار مجموعة من مؤسّسات الإقراض التي كانت تتعامل مع ملايين المُستثمرين، وإلى خسارة أكثر من 30,000 شخص أعمالهم خلال العام الماضي بسبب إفلاس بعض الشركات والمُؤسسات، وذلك في ظلّ عدم حُصول النهضة الإقتصاديّة التي كان الكثيرون يُراهنون عليها إثر توقيع الإتفاق النووي. وبسبب الضائقة المالية التي لا تزال تُعانيها السُلطة في إيران، إضطرّت هذه الأخيرة إلى رفع أسعار المُشتقات النفطيّة، وإلى إلغاء إعانات نقديّة كانت تُقدّم للطبقات الفقيرة، الأمر الذي زاد من النقمة عليها بشكل واسع.

ومن بين الأسباب ما هو مُرتبط بفساد جزء من الطبقة الحاكمة، حيث جاء إعلان الرئيس الإيراني ​حسن روحاني​ خلال الشهر الماضي تفاصيل عن المُوازنة الجديدة والتي أظهرت إنفاق الجزء الكبير منها على ​الحرس الثوري​ والمؤسّسات الدينيّة المُرتبطة بالمُرشد، ليصبّ الزيت على نار النقمة الشعبيّة، خاصة وأنّه جرى في الماضي القريب تسليط ​الضوء​ على فضائح فساد طالت مسؤولين في الحكم، في ظلّ تقارير إعلاميّة غربيّة عن أنّ 5 % من الطبقة الحاكمة في إيران تُسيطر على الثروات الإيرانيّة، حيث أنّ القطاعات الحيوية مثل ​النفط والغاز​ وكذلك مثل الإتصالات والمُواصلات و​البناء​ وغيرها من الإستثمارات تقع بيدها.

ومن ضُمن الأسباب أيضًا ما هو عرقي وثقافي، حيث إنضمّت مجموعات مُختلفة من الأقليّات في إيران(3) إلى التظاهرات مُطالبة بحُقوقها الثقافية وبوقف كل أشكال التمييز ضُدها، في تفجير لكبت عُمره عُقود.

وبالنسبة إلى الأسباب السياسيّة، فإنّ الكثير من المُتظاهرين يتهمُون السُلطة بالإهتمام بمشاكل دول الإقليم بدلاً من الإهتمام بمشاكل الشعب الإيراني، وبتمويل العديد من الحروب والجماعات المُؤيّدة لإيران في المنطقة، بدلاً من تحسين معيشة الشعب الإيراني. كما طالب المُتظاهرون بوقف تدخلات إيران في الخارج، ورفعوا شعارات وأطلقوا هتافات ضدّ الجماعات والدول التي تدعمها إيران في الخارج، ومن بينها "​حزب الله​" في ​لبنان​ و"​أنصار الله​" في ​اليمن​ والنظام السوري، الأمر الذي إتخذته السُلطة كذريعة للحديث عن تحريض إستخباري خارجي يعمل على تحريك بعض الجماعات الداخليّة.

وفي ما خصّ النتيجة المُتوقّعة لهذه التظاهرات، فهي بحجمها الحالي وحتى إشعار آخر، لا يُمكن أن تُسقط النظام المَحمي بقبضة حديديّة عبر ميليشيات شبه نظاميّة مُوالية تمامًا له، تتمثّل في "الحرس الثوري" وقوّات "الباسيج"، وهي قادرة على التدخّل لقمع أي حركة إحتجاجيّة مهما كانت واسعة، وذلك بمُوازاة إجراءات التضييق على التظاهرات التي إتخذتها الحُكومة، مثل إلقاء القبض على بعض من تصفهم بالمُحرّضين، وقطع شبكة "الإنترنت" في بعض الأماكن، ومنع التجمّعات في أخرى، وتفريق التظاهرات بالقوّة والقسوة. كما أنّ حجم التدخلات الخارجيّة لم يتجاوز حتى تاريخه مرحلة الدعم السياسي والمَعنوي والمُؤازرة في الحملات الإعلامية ضُد السُلطة الحاكمة، إضافة إلى العمل الإستخباري الميداني المحدود. لكن بالتأكيد، في حال نجح المُتظاهرون في الحفاظ على وتيرة إعتراض واسعة ومُستمرّة في إيران لفترة طويلة، فإنّ حركتهم الإعتراضية ستتحوّل إلى "كرة ثلج" تكبر مع الوقت، وستكون الأمور عندها مفتوحة على كل الإحتمالات، لأنّ الناقمين على إيران كُثر، وعدد الراغبين بردّ الصاع صاعين لها كبير، وكل هؤلاء كانوا ينتظرون أن تكون الفرصة سانحة لنقل حال عدم الإستقرار إلى عقر دارها.

في الختام، كان لافتًا الإتهامات الإيرانيّة ل​أميركا​ و​بريطانيا​ و​السعودية​ وغيرها من الجهات بالوقوف وراء الحملات ضُد إيران على شبكة الإنترنت، بشكل يُذكّر بالإتهامات السوريّة لقطر بتركيب أفلام "فيديو" عن تحرّكات شعبيّة في ​سوريا​ عند بداية الأحداث هناك، قبل أن تدخل هذه الأخيرة في حرب ضروس دمّرت الحجر والبشر على مدى نحو سبعة أعوام! لكن حتى لوّ سلّمنا جدلاً أنّ المُناهضين لإيران سيعملون على تهريب السلاح والمُسلّحين إلى الداخل الإيراني كما حصل في سوريا، فإنّ الكلمة الفصل تبقى في النهاية للشعب الإيراني نفسه، والسؤال: هل سيحمل قسم من الإيرانيّين السلاح بوجه النظام الإيراني، كما حمل جزء من السوريّين السلاح بوجه النظام السُوري؟.

(1) سنة 1999 خرجت تظاهرات طلابية ضد القمع، وسنة 2003 خرجت تظاهرات طلابية ضد سيطرة المُؤسسة الدينيّة على شؤون الدولة، وسنة 2009، وبعد الإعلان عن فوز الرئيس أحمدي نجّاد بولاية رئاسية ثانية، خرج مئات الآلاف من الإيرانيّين في تظاهرات إحتجاج. وسنة 2011 عقب الإطاحة بالنظامين المصري والتونسي، حاول الإيرانيّون إحداث تغييرات مُماثلة في بلادهم. وسنة 2015 حدثت تظاهرات لأتراك إيران، وسنة 2016 خرجت تظاهرات في "أصفهان".

(2) يعيش نحو 25 من أصل 80 مليون إيراني تحت خط الفقر، و15 مليون آخرين يُعانون من ضائقة مالية كبيرة.