تكاثرت في الآونة الأخيرة الأقاويل المنسوبة إلى بعبدا وعين التينة عن أن مرسوم منح الأقدمية لضباط دورة العام 1994 قطع شعرة معاوية بين رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ورئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​.

لم يكن مرسوم الأقدميات القشّة التي قصمت ظهر البعير. فالقلوب المليانة كانت تنتظر اللحظة المناسبة لتنفجر. وليس صحيحاً أن العلاقة كانت ممتازة قبل أزمة ضباط دورة 1994. فكل ما في الأمر، أن الأجواء كانت تتراوح بين اضطراب وانقشاع جزئي بين الرئيس عون والرئيس بري، لكنها مرّت خلال شهر تشرين الثاني بسحبة إيجابية سببتها أزمة الرئيس سعد الحريري، لتعود الامور على خط الرئاسة الاولى والثانية إلى المربع الاول.

التهبت النار الكامنة تحت الرماد مجدداً مع توقيع رئيس الجمهورية المرسوم منذ نحو عشرين يوماً. الوساطات كلها وصلت طريقاً مسدوداً. الامور مقفلة والأبواب مسكّرة، تقول مصادر الرئيس بري لـ "البناء". وما أشاعه الرئيس سعد الحريري عن زيارتين سيقوم بهما لبعبدا وعين التينة، قبل موعد جلسة مجلس الوزراء اليوم، سراب لا أساس له من الصحة. وتشير المصادر نفسها إلى أن "الاستاذ" متمسّك بالصلاحيات المنصوص عنها في الدستور لجهة الدور الدستوري لوزارة المال.

بدا التوتر جلياً على وجه الرئيس بري، بحسب ما نقل بعض نواب الأربعاء لـ"البناء"، عقب وصول خبر عاجل لهواتف الحاضرين مصدره قناة الـ "ام تي في" مفاده أن "مرسوم دورة 1994 نُشِر في الجريدة الرسمية"، ليتنفس الصعداء بعد نفي الخبر، علماً أن أجواء التيار الوطني الحر تشير إلى أن هذا المرسوم أصبح نافذاً مجرد إبلاغ المعنيين به ولا يحتاج إلى نشر في الجريدة الرسمية، لأن المراسيم المتصلة بالضباط لا تخضع لعملية نشرها بهدف الإبقاء على سرية الأسماء، بيد أن الرئيس بري يعتبر ما تقدّم مخالفا للقانون، ومصادره تذكر بالقانون رقم 646 الصادر في 2 حزيران عام 1997 والذي ينصّ على نشر جميع القوانين والمراسيم في الجريدة الرسمية.

المشكلة لم تنتهِ ولن تنتهي عند الرئيس بري إلا بشرط توقيع وزير المال علي حسن خليل المرسوم. من هنا تتوقع أوساط سياسية أن تخيّم أجواء التوتر على جلسة مجلس الوزراء اليوم التي سيحضرها وزيرا حركة أمل خليل وغازي زعيتر وعناية عز الدين، طالما لم تظهر بارقة أمل تحقن التوتر الذي يكاد ينفجر، بخاصة أن مكامن الخلاف، بحسب قطب سياسي بارز، هي أعمق وأكبر من أزمة "مرسوم الأقدميات"، فهي "تتصل بملفات أكثر تعقيداً كملفي الكهرباء والنفط، وفرعية جزين وصولاً إلى ما بعد الانتخابات النيابية"، مشدّداً على أن العلاقة بين الرئيس عون والرئيس بري لم تكن يوماً شهر عسل، بخاصة ان رئيس المجلس كان من أشد المعارضين لانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية.

لقد أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء أمس، في حديث لقناة "الميادين" أننا "نبذل جهداً بين صديقينا لحل المشكلة، هناك مَن يحاول وضعنا في السجال ونحن نتبنى الرأي الذي ينص عليه الدستور"، مؤكداً أن "موضوع "دورة عون" دقيق وصعب. وهناك قراءتان له ونحن لسنا حكماً ونستطيع القول إننا نفهم الدستور هكذا ليس أكثر"، مشدداً على أنه "يجب ان تكون هناك جهة موثوقة لها الحق الدستوري بالحكم في نهاية المطاف"، قائلاً "لا أعتقد أن هناك حلاً قريباً في هذه المسألة، ولا يمكنني قولُ شيء".

وفي سياق متصل، شدّدت مصادر مطلعة على وساطة حزب الله لـ "البناء" على أن الحزب يسعى لدى الرئيس عون تذييل المرسوم بتوقيع وزير المال - المخرج الوحيد حتى الساعة - لإنهاء الأزمة، بيد أن الإشكالية تكمن في تراتبية التواقيع، فتوقيع وزير المال يجب أن يسبق توقيع رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية الذي يتوّج المرسوم بتوقيعه قبل نشره قانوناً.