لفت رئيس كتلة "المستقبل" ​فؤاد السنيورة​ في كلمة القاها خلال ترأسه الجلسة الرئيسية لمؤتمر الازهر الى ان "عنوان هذه الجلسة محكم إلى حد بعيد. ذلك أن الهوية هي التي تحدد الرسالة، لكن الرسالة أيضا هي جزء من الهوية أو انها أحد مكوناتها"، مضيفا: "وفي هذا الشأن، يعتبر كثير من الباحثين أن ثوابت الهوية نسبية، بمعنى أنها تتكون عبر التاريخ، وتتأثر بالعوامل السكانية والجغرافية والدينية والاستراتيجية بيد أن ذلك لا ينفي عنها طابع الثبات الذي تتسم به الهويات أو لا يقلل من شأنه، ولقد دخل ثقافة العالم في القرنين الماضيين اعتبار "الهوية القومية" ذات أولوية عند تأمل أبعاد الهويات والانتماءات ووجوهها، وذلك لجهة البعد الثقافي والإثني، وهو الرابط والمولد للعصبية التضامنية بحسب المصطلح الخلدوني، كما والبعد السياسي والسيادي، باعتبار الدولة القومية الوحدة الأساسية في النظام الدولي السائد".

واضاف: "على أن هوية القدس ذات خصوصية ليس بسبب تركيبها وأبعادها، بل وبسبب رسالتها ومهماتها المستمرة في أداء هذه الرسالة"، مشيرا الى انها "ذات قدسية لدى أتباع الديانات الإبراهيمية. ولذلك تتعذر فيها الحصرية الدينية، والتي تزداد تأزما إذا ارتبطت بحصرية قومية أو إثنية وهو الأمر الذي يحاول الصهاينة إنجازه إلغاء للآخرين وللجهتين الدينية والقومية".

واكد ان "هذه الحصرية المدعاة ما عرفها تاريخ القدس، لا في الزمن العربي الإسلامي، ولا في الزمن الوطني الفلسطيني الحديث"، مضيفا: "فما تعرض أحد من السلطات أو من الجمهور لتمييز في مواطن المقدسات على أساس الدين أو العرق، أما اليوم فإن الاسرائيليين يعتبرون أنه لضمان السيطرة والاستيلاء على القدس باسم الدين والقومية، لا بد من إزالة الأماكن المقدسة للديانتين الأخريين، بل ودفع السكان المختلفين في الدين والإثنية للهجرة عنها، من أجل اصطناع أكثرية غلابة بالقوة. وهكذا فإن ​إسرائيل​ تفترض لدولتها القومية والدينية، إلغاء الأديان الأخرى، وتهجير المعتنقين لتلك الأديان عن أرض القدس وعن فلسطين بكاملها".

وقال: "ماذا يكون موقفنا، وماذا يكون علينا ان نفعل؟ إنه ومع إدراكنا لعظم المشكلات التي تواجهها أمتنا ومنها ما استجد حديثا أيضا في مشكلة القدس، فإنه من الضروري أن نعمل على تصويب بوصلة اهتماماتنا وجهودنا للتأكيد على أهمية التمسك بقضايانا ومبادئنا الأساسية وعدم الانحراف عنها، وفي ضرورة التنبه إلى عدم الاستسلام للأسى واليأس والإحباط أو القبول بانكسار إرادة الأمة أو القبول باللجوء إلى السلبية أو سلوك طريق التشدد أو السكوت عن الانزلاق إلى العنف القاتل والموصل إلى الوقوع في وهدة ​الإرهاب​ ظنا من البعض أن ذلك يسهم في إيجاد حلول للمشكلات المتناسلة والمتفاقمة".

وأكد ان "ليس صحيحا ما يقال ان الكلام يبقى كلاما، وأن ردة الفعل على قرار الرئيس الأميركي كان ينبغي ان تكون أقوى من جانب الدول، ومن جانب الشعوب العربية"، لافتا الى انه "مضت عقود وعقود كان خلالها العرب يجيبون على افتراس الصهاينة لفلسطين وأجزاء من الدول العربية الأخرى بالحرب وباستدراج وساطات المفاوض الأميركي على وجه الخصوص بعدها، وبغض النظر عما جرى لتلك السياسات والممارسات وفيها، يكون علينا، وبخاصة أن التحديات تتفاقم، أن نراجع سياسات الحرب والتفاوض معا، وان نستفيد من دروس التاريخ القديم والحديث في ضوء المتغيرات والتحولات الجارية في العالم من حولنا، ودروس النضال الذي ما غادرته أمتنا أبدا لاستخلاص العبر والدروس. وها هو ​الشعب الفلسطيني​ يخوض ملحمة مستمرة من أجل أرضه ومجتمعه وعروبته ودينه وإنسانه. لدينا عناصر قوة لا ينبغي ان نتجاهلها ولا أن نستخف بها بحجة أنها لم تأت بنتائج مباشرة أو كافية. ولدينا هدف واضح هو إقامة ​الدولة الفلسطينية​ وعاصمتها القدس".

واعلن ان "عناصر قوتنا تتمثل في الإيمان العربي والإسلامي والمسيحي بحق الشعب الفلسطيني في الحرية وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، والاقتناع العربي والعالمي بأن القدس هي بيئة أديان وحضارات وملتقى للحوار والتفاهم، ولا ينبغي ولا يصح ولا يجوز ان تحتكرها دولة بالاحتلال، وبنفي الأديان الأخرى، ونفي شعب القدس وفلسطين"، مضيفا: "لدينا قرارات الشرعية الدولية، والتي ظهرت قوتها أخيرا بعد قرار الرئيس الأميركي، إذ وقف الجميع في مجلس الأمن في وجه ​الولايات المتحدة​، وصوتت الأكثرية الساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد ذلك القرار وهذا الدعم هو ما يجب على العرب صونه وصيانته والمحافظة عليه وتوجيهه لما يخدم قضايانا في القدس وفلسطين"، ومؤكدا أن "لدينا نضال الشعب الفلسطيني لصون أرضه وموطنه وجغرافية دولته، وانتزاع حريته ومقدساته من الاحتلال والالغاء، ولدينا المبادرة العربية للسلام، والتي حظيت وتحظى بإجماع فلسطيني وعربي وإسلامي ودولي".

وأكد السنيورة ان "العمل الآن ينبغي أن ينصب على الجهد الرسمي والشعبي العربي لاستحداث نوع من الاتساق الذي يزيد من الفعالية، كلما تجاوب مع النضال الفلسطيني ودعمه، ووسع الآفاق من أجل التضامن معه". مضيفا: "ونحن نرجو لكي تستقيم الرسالة المنطلقة من الهوية أن يتوحد نضال الشعب الفلسطيني، حتى لا يتقابل الوطني مع الإسلامي، أو يقف الإسلامي في وجه الدولي".

اضاف: "إن هذه الشراكة المستجدة التي تقيمها مؤسساتنا الدينية وفي طليعتها ​الأزهر​ مع الجهات الدينية الأخرى في منطقتنا العربية وفي العالم، إنما تشكل بعدا هاما من أبعاد هوية القدس التعددية، والتي ينبغي السير فيها، والحرص على تطويرها، والشاهد الأكبر على هذا الجهد المتميز في "مؤتمر الأزهر من أجل نصرة القدس" الذي نشارك فيه اليوم".

واكد ان "ليس من حق أحد أن يتدخل في عقائد الآخرين وعباداتهم ومعابدهم وأوقافهم الدينية، لكن الاسرائيليين يفعلون ذلك كله، وبالاشتراك بين الإدارة الإسرائيلية والمستوطنين و​الجيش الاسرائيلي​. ويكون علينا ان نصارح أنفسنا والآخرين بالخيارات الحقيقية في هذا المجال، كما في المجالات الأخرى وينبغي ان نضع نصب أعيننا ونحن نقوم بذلك الارتباط القائم بين الهوية والرسالة فإذا كان المحتلون يريدون تغيير الهوية والرسالة بالقوة العسكرية وبالتمييز الديني والإثني، فنحن من جانبنا مسيحيين ومسلمين، يكون علينا صونا لهوية القدس ولرسالتها في الدولة الوطنية الفلسطينية، ان نظهر أهمية وسمو التجربة التاريخية والوطنية الحاضرة في عيشنا المشترك وفي تعارفنا وتآلفنا وهي التجربة التي تعطي العرب والعالم نموذجا للعودة إلى الضوء برؤية جديدة للعيش معاوبما يكسبنا دعم شعوبنا العربية وشعوب ودول العالم، فتكون رسالة "التعارف" هي العنوان المعلن لرسالة القدس العالمية من أجل أن نستعيد حقنا في فلسطين وان تتأسس الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس".