قد يبلغ حجم الامتعاض والاستياء الكردي من أنقرة نفس مستوى الاستياء من الآداء الروسي خلال أزمة ​عفرين​ الحالية، اذ يُدرك الأكراد جيدا أن ​تركيا​ ما كانت لتُقدم على الهجوم على المناطق الخاضعة لسيطرتهم غرب نهر الفرات، لولا الضوء الأخضر الروسي والذي عبّرت عنه بوضوح وزارة الدفاع حين اعتبرت ان ما يحصل في عفرين هو نتيجة "الاستفزازات الأميركية. وحتى ولو كانوا طوال الفترة الماضية يترقبون "خيانة دولية" ما تأتيهم سواء من واشنطن أو من موسكو، وهو ما جعلهم على حد تعبير أحد قادتهم لا يضعون "بيضهم في سلة واحدة"، الا أن العلاقة التي وصلت الى مستويات متقدمة مع ​روسيا​ في العام المنصرم، جعلتهم يعتقدون أنّها لن تسارع الى التخلي عنهم بهذه البساطة.

رفض قادة ​وحدات الحماية الكردية​ تصديق تقارير وصلتهم نهاية الأسبوع الماضي عن انسحاب تنفذه القوات الروسيّة المتمركزة على الحدود السورية-التركية من جهة عفرين، والتي دخلت المنطقة في آذار 2017 بمهمة منع الاشتباك بين الأتراك والأكراد. لكن مضمون التقارير سرعان ما تحول واقعا على الأرض، جعل القيادات الكردية تقر بـ"تواطؤ روسي" ردّته للصراع المحتدم بين موسكو وواشنطن والذي بدأ يطفو الى العلن أكثر من أي وقت مضى في الميدان السوري. ولعل التصاريح الأميركية الرسميّة اضافة الى حركة واشنطن اليومية، غير السريّة، لافشال مؤتمر "سوتشي" الذي تُعد له موسكو لتفعيل مسار الحل السياسي في ​سوريا​، شكلت المؤشر الأبرز في الفترة الماضية لتنامي حدّة الصراع بين القطبين العالميين، كما بدت عاملا ممهّدا لعودة الحرارة الى الميدان بعد أشهر من "خفض التصعيد" وتولّي الروس مشروع المصالحات في الداخل وتجميع ما تبقى من عناصر "​جبهة النصرة​" وفصائل معارضة أخرى في محافظة ادلب.

واذا كان الأكراد يقرّون اليوم تماما بـ"الخيانة" الروسية، فهم لا زالوا يرفضون مجرد الحديث عن "توطؤ أميركي" تجاه ما يحصل لعفرين. اذا تؤكد مصادر كردية واسعة الاطلاع أنّها لا تزال تترقب "موقفا أميركيا وان جاء متأخرا يردع أنقرة وموسكو على حدّ سواء". وتؤكد المصادر ان "ما يحصل في عفرين وسيشمل منبج على الأرجح، يجري بضوء أخضر من النظام السوري وطهران على حد سواء، وان حاولا تظهير العكس بمواقف لا تمت للحقيقة بصلة". وتضيف: "لدينا معلومات مؤكدة أن أنقرة أبلغت النظام السوري برسالة مكتوبة قرارها بالهجوم على عفرين، رغم اصرار وزارة الخارجية على نفي ذلك. كما ان طلب طهران انهاء العملية التركيّة سريعا دليل آخر على التواطؤ الايراني، وهو ما يدحض كل الاتهامات السابقة لنا بالتواصل مع النظام والتعاون معه والسماح له بفتح مقرات تابعة له في مناطق سيطرتنا".

بالمحصلة، يبدو واضحا ان قرار انهاء وجود الأكراد في منطقة غرب نهر الفرات اتخذ. وتعول الدول الكبرى على ضغط أميركي على حلفائها في الوحدات الكردية للطلب منها اخلاء عفرين ومنبج على حد سواء لتفادي مجازر ترتكب بحق المدنيين. على أن تبقى كل المنطقة شرقي النهر خاضعة مباشرة لحماية واشنطن، وهي تعتبر أي تعرض لها ولمن فيها، تعرض مباشر يطال ​الولايات المتحدة الأميركية​ وستتعاطى معه على هذا الأساس.