أشير بداية إلى نهاية ما أرمي إليه في هذا المقال: إذا كان اللقاء ولو صدفة ممنوعاً، فما بالكم بالتقارب أو التحالف؟.

هي الخيانة الجاهزة بعينها تهمةً لمن يراوده ولو في الأحلام: مجرد التفكير أو السعي إلى اللقاء مع المكوّنات ال​لبنان​ية الشريكة لنا في الوطن والسكن.

يحق لكل حلفاء هذه الطائفة المظلومة في لبنان أن يتحالفوا ساعة يشاؤوا مع من يشاؤوا خصما كان عدوا. ويعقدون معه الصفقات، ويبرمون الإتفاقيات، تحت عناوين ومسميات شتى، وبحجج ومسببات عدّة، إلا هذه ​الطائفة العلوية​.

نحنُ في الضريبة والعناء من معدومي ٨ آذار صحيح جداً، أما في التحالفات المستجدة والتركيبات المستحدثة، فعلينا تنفيذ القرار الهابط علينا على لسان أحد الفُجَّار التُّجارِ دون إعلامنا عن مصدره وصاحب أمره، فقط علينا التنفيذ، ويا هلا بالقرار العزيز.

ولكي نكون منصفين ولا نجافي الحقيقة أبداً، يحق لشخص واحد منّا أو من ينتدبه، أن يلتقي بمن يشاء ويعقد الصفقات باسمنا ساعة يشاء.

يحق لهذا الشخص الأوحد أن يوعز لمأمورٍ عنده أن ينزلَ في ضيافةِ أحد صقور المستقبل.

ولا تثريب عليه ولا لوم. بل ويحق له استضافة إحدى المرشحاتِ على قائمة عدوّهم اللدود. وكأنَّ شيئاً لم يكن، ولكأنهم في العشقِ والهوى متيَّمانِ.

وكلا الطرفين: الضيفُ والمُضيفُ، يخوضان حروبهما العبثية باسم العداء لبعضهما. ونحن، نعم نحن أهل ​طرابلس​ المسلمين: سنة وعلويين، من يدفع الثمن غالياً. فتصوروا مدى استغابئنا كلّنا في طرابلس إلى أيّ درجةٍ وصلَ؟.

وأي مسخرةٍ ما زالت مستمرة ب​الضحك​ علينا جميعا؟! أمّا سواه، فاللعنات والتهديدات ستنهال على وجوده كل وجوده إن صودف مرة في احتفال وطني أو تجمع شعبي مع أيّ شخصية، حليفة كانت أم خصما (طبعا وفق مفردات قاموسهم المتداول عندنا).

ويا سواد نهاره فضلا عن ليله من قاوم هذا الخيار الذي سيودي بنا إن لم نقاومه جميعا إلى الإنهيار. يفرضون عليك مفردات قاموسهم بترهيب وترويع: ما هو تاريخك؟ كأن التاريخ يكتب سير المعدومين على أيديهم! ولكأن تاريخهم تاريخ أولياء أتقياء. وما هو مشروعك؟. وهل للفقير مشروع سوى الحياة بكرامة. استكثروا علينا بضع كلمات مخنوقة تخرج مقهورة من كل شيء حولها. كل تاريخهم المتبجّح به هو خرافة يقصُّونه على من لا حيلة له إلا تصديق ما يسمع فقط ثم التصفيق فرحا دون أن يدري لماذا؟. يواجهونك بفرقة من "الحلِّيفة" (منْ تَحْلِفُ أغاليظ الأيمان زورا لتشويه صورة أي محتج). يغتالون كرامته، وينتهكون عرضه، ويروعون عائلته، بغزوات فيسبوكية تترافق مع هجمات ألسنتهم الحادة في شارع مزدحم ضيق: منْ يجلس في آخره يسمع همس النائم في أوله.

يُقتلُ كل موجوع عنا على مرأى ومسمع من نحب ونعشق، ذلك القتل الذي يهون أمامه كل موت... إنه قتل الإنسان كقيمة إنسانية، يحق لها أن تفكّر وتحتج وتعترض وتشارك وتثور وتغصب وتخطأ وتصيب.

وإذا كان الموت الصوري هو حق وبيد الله سبحانه وحده، فإن القتل النفسي والمعنوي بيدهم فقط، يصدرون حكمه على كل خارج عن قانونهم المرعب بصفارة انطلاقٍ تخرسهم بمنشور فيسبوكي.

تُقتل أحلامُنا بخيوط حريريةٍ بيد من استأمنّاهم على مستقبل أولادنا، على مرأى ومسمع من نحبُّ ونعشق. وكان الله بعون ذلك المرشح العلويُّ المسكين؟!. عليه أن يتزلّف ثم ينزل زاحفاً على ركبتيه راكعاً أمام عنجهية إحدى الزعامات الطرابلسية، التي لا تقبل أن تتعامل إلاَّ مع من تتهمه ب​الإرهاب​، وتحاسبنا على أننا وافقناهُ يوما أو كنا معاً في مواجهةٍ عبثية فُرضتْ علينا. هم يخوضون معاركهم السياسية تحت شعار العداء له، ولن ننسَى. وهم أنفسهم من يستجدون عقد الصفقاتِ معه، ليصح المثل القائل: إنَّ ​الطيور​ على أشكالها تقعُ. ثم لا يكفي هذا المرشح العلوي المسكين الركوع أمام جبروت الزعيم الطرابلسي الذي سيقذفه إلى مهانةٍ أكبر للحصول على موافقةٍ من جهةٍ سياسيةٍ معروفةٍ، لتتصل به موافقة على الترشح على قائمته.

وعلى فكرةٍ، هذه المرجعية السياسية لا تمت بصلةٍ للعلويين في لبنان سوى من بعيدٍ. فقط تدّعي أنَّ قرارهم بيدها، وهم صدقوها، والكثير منا صدقها.

وبين عنجهية الزعيم الطرابلسي الذي لا تقبل غطرسته التنازل لزيارة ​جبل محسن​ ولو تفقدّياً، وبين تلك المرجعية الوهميّة المقامرة بمصير العلويين، على المرشح العلوي اجتياز حقولٍ من المهانات الملغومة بالابتزاز والاستبداد. هذه هي حالنا بكل صدق في لبنان. وهذه هي حالتي أنا ذلك الشيخ الناشئ الصغير، الذي، اتخذ قراره ونذر نفسه لخدمة مجتمعه، وإذ به ينظر مضطربا قلقا خائفا مرعوبا بين حالتين: حالة واقعه الذي يناديه ليساعده وإن كابر على ذاته وهاجمه وأشنى عليه وهدد كيانه. وحالة أولاده الصغار الذين لم يروا من الحياة شيئا يُذكر. وبين الحالتين يسير وهو يعلم أن مشواره سينهيه عاجلا أم آجلا، مَنْ كُلُّنَا يعلم حاضره وماضيه. وحسبنا الله ونعم الوكيل.