ترددت عبارة "​العفو العام​" على مسامع اللبنانيين أكثر من مرة منذ وصول رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ الى قصر بعبدا حتى اليوم، ولكن بعد مرور عام ونصف العام على بداية العهد الرئاسي، لا يزال هذا "القانون" متأرجحا بين من يقول بأن صدوره أصبح وشيكا وبين من يؤكد أنه لن يصدر قبل الانتخابات النيابية المقبلة.

لا نتحدث هنا عن قانون عفو خاص يملك صلاحية اصداره رئيس الجمهورية بعد استطلاع رأي لجنة العفو، بل نتحدث عن العفو العام الذي تصدره السلطة التشريعية لإزالة الصفة الجرميّة عن فعل هو في ذاته جريمة يعاقب عليها القانون بحسب نص المادة 150 من قانون العقوبات، فيصبح الفعل كأنه لم يُجرَّم أصلًا. وكما في كل قضية تُثار في لبنان، تدخل السياسة والطائفية في أدق تفاصيل هذا "المشروع" فلكل جهة مطلب ولكل طائفة رأي، تقول مصادر مطلعة في حديث لـ"النشرة".

الموقوفون الاسلاميون

تحرك الأحد الماضي أهالي السجناء الاسلاميين في ​طرابلس​ وعبرا و​البقاع​ أمام السراي الحكومي للمطالبة بأن يشمل قانون العفو الموعود أولادهم من دون استثناءات. وهنا تشير المصادر الى أن هذا المطلب ينال رضى كل المسؤولين السياسيين الحاليين والسابقين من أبناء ​الطائفة السنية​، اذ أن عدم شمول هؤلاء بالعفو سيعني خسارة فئة ناخبة كبيرة، لافتة النظر الى أن الطائفة السنية سجلت هذا المطلب في قانون العفو كشرط أساسي للموافقة عليه داخل ​المجلس النيابي​ حين يُطرح للتصويت. وتقول المصادر، "1300 سجين اسلامي هو العدد المطلوب أن يشمله العفو، مع العلم أن نصفهم تقريبا لم يصدر بحقهم أي حكم بعد"، مشيرة الى أن أهالي السجناء يضغطون بقوة لدى المرجعيات السنية لكي يصدر القانون قبل أيار المقبل موعد الانتخابات النيابية لأنهم يعلمون بأن مرور هذا الاستحقاق قبل قانون العفو يعني "غرق" الملف في "التجاذبات السياسية.

مطلوبو البقاع

"أما بالنسبة للهم الذي تحمله ​الطائفة الشيعية​، فهو بحسب المصادر لا يقل عن "زميلتها" السنية، اذ يعاني 40 ألفا من أبناء البقاع المحسوبين بأكثريتهم على الطائفة الشيعية من وجود مذكرات توقيف واستدعاء بحقهم بسبب جرائم مخدّرات، وهو ما جعل المنطقة "مقرا" للمطلوبين الفارين من أمام القانون، الأمر الذي سبب ضغطا على المسؤولين ​الشيعة​ في الدولة وتحديدا على الثنائية الشيعيّة التي تُتّهم بأنها تغطي قسما كبيرا من هؤلاء المطلوبين". وهنا تشدد المصادر على أن أزمة شباب البقاع ليست جديدة بل بدأت في اللحظة التي قررت فيها الدولة التخلّي عن أبناء تلك المنطقة من مختلف الطوائف، وتركهم لمصيرهم وعدم تأمين مستلزمات الحياة لهم، لافتة النظر الى أن الأهم من شمول هؤلاء بالعفو هو تأمين "بديل" زراعة الحشيشة لهم لان غياب البديل واهتمام الدولة سيُعيد غالبيّة هؤلاء الشبان الى العمل في "الحشيشة" مجددا.

وفي هذا السياق يكشف أحد الشبان المطلوبين في حديث لـ"النشرة" أن 90 بالمئة من المطلوبين في البقاع يخافون من تسليم أنفسهم للدولة، رغم أن مذكرات التوقيف بحقهم صادرة بسبب "وثائق اتصال" أي أن التهم قد تكون مفبركة وملفقة، الا أنهم يخشون من سجنهم لفترات طويلة قبل أن يتم التحقيق معهم وإثبات براءتهم، وهذا ما يجعلهم يهربون من وجه العدالة. ويقول الشاب: "من الجيد أن يشمل قانون العفو كافة المطلوبين والمسجونين في قضايا ​المخدرات​ مع استثناء التجار الكبار الذين أفسدوا البلد بحمايات سياسية وأمنية، وأفسدوا البقاع وهويته". ويروي الشاب كيفية صدور مذكرات توقيف بحقه دون أن يعلم بها، مشيرا الى أن الأمر تحول من تطبيق للقانون الى الصاق التهم بأشخاص لمجرد انهم من البقاع و"جسمهم لبّيس".

الفارون الى ​اسرائيل

بعد السنة والشيعة تأتي الطائفة ​المسيحية​ والمارونية بالاخص، اذ يعتبر ممثلوها في لبنان بأن حل قضيّة "عملاء ​جيش لحد​ وعائلاتهم الهاربين الى اسرائيل" أولى أولوياتهم، وهذا ما أكده ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​ خلال زيارته الى ​فلسطين​، واشار اليه الرئيس عون في خطاب القسم، وقدّم من أجله سابقا مشروع قانون أمام المجلس النيابي. وفي هذا الملفّ تقول المصادر: "فرّ الى اسرائيل في فترة ما بعد التحرير اكثر من 7000 لبناني، هم عبارة عن منتمين لجيش لحد وعائلاتهم، ولكن لم يتبقّ اليوم أكثر من 3000 بعد هجرة الباقين الى أميركا واستراليا وكندا"، مشيرة الى أن السعي لحلّ مشكلاتهم لن يكون سوى بقانون عفو عام لأن هؤلاء يرفضون العودة الى لبنان والاحتكام للقضاء.

وتضيف المصادر: "يحاول القيمون على هذا الملف إدخاله في "صفقة" قانون العفو الى جانب مطلوبي البقاع وموقوفي طرابلس والشمال ليكون القانون "عادلا" طائفيا"، كاشفة ان ملفّ الموجودين في اسرائيل لم يلقَ تجاوبا كاملا بعد من الثنائي الشيعي خصوصا وأن منهم من تلوّثت يداه بدماء اللبنانيين.

لم تعد تقتصر الحسابات الطائفيّة على وظائف الدولة بكافة فئاتها، بل طالت مشروع قانون العفو العام، فهل يتنبه المسؤولون الى أنهم "يعمّقون" الطائفية بدل أن "يزيلوها"؟.