لطالما كان لـ"قانون ​العفو العام​" مناسبة يرفع فيها السياسيون رايته لاهداف مختلفة. ويستعمل كبطاقة عبور للحفاظ على "العيش المشترك" لكنه يبقى شعاراً يسقط مراراً في وحول الطائفية والمذهبية. ورغم انه قانون تشمل مفاعيله مرتكبي الجنح والجرائم على انواعها الا ان اقراره تعود الى السلطات السياسية بعيداً عن السلطة القضائية التي يعود لها وحدها تقدير من يشملهم هذا العفو بغض النظر عن الاعتبارات السياسية.

بعض المراقبين واصحاب الاختصاص يرون في هذا القانون تشجيعا على ارتكاب الجرائم، ليقينهم بحصول تسويات سياسية تخرجهم من وراء القضبان، لذا لا يعتبر هذا القانون الميزان للعدالة، بل هو مجرد عمل تشريعي يطال ملفات قضائية تتوقف على رغبة المشترع، وهو تدخّل اجازته قوانين ​مجلس النواب​.

ويرى هؤلاء ان الجدل القائم حول هذا القانون يأخذ بعداً طائفياً ومذهبياً، بسبب نوعية الجرائم التي تتوزع ايضاً على الطوائف. فجرائم المخدرات لا سيّما التي اعطيت صبغتها لجزء كبير من بعلبك–الهرمل الذي يتجاوز عدد الموقوفين 8000 ناهيك عمّا يقارب 36 الف مذكرة توقيف، في حين ان جرم العمالة يمتد في البقعة الجنوبية، وهو ملف شائك لناحية عدد العائلات التي هربت مع الاطفال، ومنهم من ابصر النور في ​اسرائيل​ وهؤلاء لم يكن لهم دور في اتخاذ القرار فكيف ستحل معضلته؟!.

اما ملفات ​الارهاب​ فحدّث ولا حرج خصوصًا تلك التي استجدّت منذ التحولات التي طرأت على الاحداث في ​سوريا​ مع ظهور تنظيمات ترفع راية التكفير، تسللت بافكارها وتعاليمها الى فئة الشباب وحتى من هم دون سن الرشد وجعلت منهم وحوشاً بشرية.

للارهاب في ​لبنان​ تعريف من العام 1958 ومواد يدان فيها المتهمون تتردد ارقامها في قاعة ​المحكمة العسكرية​ الدائمة، وفي القرارات الاتهامية رغم ان حجم الجرم قد لا يتساوى بالخطورة مع نصوص هذه المواد، التي نذكر منها المواد 335 و5 و6 من قانون 11-1-1958، والمادة 549 التي تقضي بعقوبة الاعدام لمن قام بجرم القتل.

ولعل الحل الافضل الذي يبعد هذا الملف عن التجاذبات السياسية، العفو عن مرتكبي الجنح الذين تقارب نسبتهم الـ75% وكذلك الامر من صدرت بحقهم وثائق اتصال تتعلق باطلاق نار في الهواء، تعاطي المخدرات وتخفيض السنة السجنية من 9 اشهر الى 6 اشهر التي ستطال حوالي ثلث المحكومين، وبذلك يزاح عن كاهل المحاكم في لبنان عبئاً كبيراً مع الاخذ بعين الاعتبار عملية التأهيل للقاصر، الذي استغل وذلك بتفعيل قوانين حماية الاحداث، الاتجار بالاشخاص تأهيل السجون وسحب كل وسائل الاتصال التي ثبت مرّات عديدة ان عمليات ارهابية كثيرة اديرت من داخل السجن.

وبعد كثرة المطالبات بعدم شمول الموقوفين الاسلاميين بقانون العفو لمن حوكم في احداث "نهر البارد" والاعتداءات على ​الجيش اللبناني​ الذي لديه حساسيّة خاصة امام المجلس العدلي او مازال ملفّهم امام الاخير.

كان للمحامية زينة المصري الناشطة على هذا الملف لاسيما وانها وكيلة العديد من المدّعى عليهم في ملفات تتعلق بالقيام باعمال ارهابيّة، ولعل ابرزه نعيم عباس وعدد كبير من المتهمين باحداث عبرا وعدد من المشايخ ابرزهم بسام الطراس حيث اكدت في حديث لـ"النشرة" انه "منذ عام برزت الحاجة الى اصدار قانون العفو العام عندما تحرك اهالي الموقوفين الذين تطلق عليهم تسمية "الموقوفون الاسلاميين" للمطالبة به. وسمعنا ترددات عن محاولات لاصدار هذا القانون، بيد ان الرؤية لا تزال ضبابية. حيث لم نلمس جدية في ارساء الثوابت التي سيرتكز اليها القانون، وان ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً عن مسوّدة لقانون العفو العام انكرها العديد من المسؤولين والمرجعيات.

واضافت المصري لا يزال مصير هؤلاء مجهولا، ولا نعلم هل سيشملهم العفو ام لا، وهل ستتم مساواتهم بباقي الفئات المطلوب العفو عنها من المحكومين في قضايا التعامل مع العدو والمخدرات والسرقة والقتل وغيرها من الجرائم. كما لم يتضح بعد اذا كان لعفو سيشمل المحكومين والموقوفين والمطلوبين، او ان فئة من هؤلاء سوف تكون خارج المعادلة؟ ولم تتبلور ايضاَ الصيغة حول ماهية الجرائم المنوي العفو عنها علماً ان عدد "الموقوفين الاسلاميين" يشكّل العدد الاقلّ بين الفئات التي يتداول اقرار العفو لاجلها.

وختمت المصري ان هناك ضرورة ملحة لاقرار قانون عفو شامل يحقق المصالحة الوطنية ويكرس العدالة ويعزز العيش المشترك.