تصاعدت في الفترة الأخيرة تهديدات القادة ال​اسرائيل​يين تجاه ​لبنان​ متوعدة بالحرب والدمار وهذه التهديدات أصبحت موسمية ومترافقة مع كل تعزيز لقوة المقاومة، فهل ما زالت اسرائيل قادرة على إعادة الكرة؟.

لا تنشب الحروب فجأة ، بل لها مسببات متراكمة وكامنة، وأحداث تجعل التكهن بإقترابها سهلاً، كما في الحالة العربية الإسرائيلية، حيث تبدأ الحرب عادة بعد انسداد أفق المعالجة السياسية، فكيف والحال هنا أن أسباب الصراع ألبست لباساً دينياً يهودياً وآخر إسلاميا، كليهما ربط وجوده بالإنتصار في هذه الحرب، وعليه فالسبب موجود دائما وابداً.

لقد أسهم الدعم الأطلسي اللامحدود والأميركي خاصة، بتعاظم القوة العسكرية الإسرائيلية إلى مستويات عليا، مما مكنها من التصرف كدولة عظمى في هذا العالم إن من ناحية احتلالها مكانة مرموقة في مجال الصناعات العسكرية والتكنولوجيا المتطورة، أو من ناحية قيامها بالإعتداء على بلدان أخرى دون خوف المحاسبة وسط تواطؤ دولي كما حدث في اعتداءاتها العسكرية وعملياتها الأمنية خارج حدودها مثلما حصل في تونس و​السودان​ و​الإمارات​، وتدخلها السافر في ​سوريا​ لمساندة ميليشيات تكفيرية مصنفة ارهابية على مستوى عالمي.

أهمية التوقيت في الحرب

يعتبر التوقيت من أهم العوامل الحاسمة في تحديد المنتصر في الحرب. وعاملا متقدما على عوامل حجم القوات الكلاسيكية أو النوعية، وما حدث في هزيمة حزيران 1967 ، من مباغتة اسرائيل لمطارات ​الدول العربية​ وتدمير أسلحتها الجوية، شكل مثالا واضحاً على أهمية التوقيت والمباغتة في حسم الحرب. رغم تفوّق العرب بالعدد والعدة في ذلك الوقت.

حتى ​حرب تموز​ 2006، بدأت كردّة فعل محدودة على عملية أسر الجنود الاسرائيليين، ولم يكن التوقيت مناسباً للطرفين، بل تدحرجت دون رغبة مسبقة منهما لتصبح حرباً ضروساً. إذ أن ​حزب الله​ كان يطمح إلى بناء توازن استراتيجي مع الحلفاء بمواجهة العدو قبل الدخول في أي حرب معه، وبانتظار تحقق هذا التوازن، كان يحاول مناوشة العدو في معارك استنزاف، متجنبا تحوّلها الى حروب كبيرة. وهي نفس السياسة التي اتبعها كلّ من الأسد الأب والإبن، تحت مسمى "الإحتفاظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين".

وفي حين تهدأ حركة الجيش في أيام السلم، الا أن وحدات الإستخبارات والرصد والتنصت لا تنام بل تنشط في رصد أي تغيير في النشاط العسكري الروتيني. لأن مباشرة الحرب تتطلب تغيير تموضع القوات من دفاعي إلى آخر هجومي، كما يتطلب حشد القوات في مناطق معينة، وهذا ما يصعب القيام به بسريّة، وبعيدا عن رصد الأعداء. لذا كانت المقاومة تعلن الإستنفار الشامل طيلة فترة المناورات الإسرائيلية، لئلا تعمد إسرائيل إلى استغلال الجهوزيّة المتحصلة من تحضيرات المناورة وتحويلها الى حرب مباغتة. وهذا ما نراه في المناورات العسكرية بين الكوريتين مثلاً.

بالرغم من استفادتها من اجهزة الاستخبارات الأطلسيّة في معرفة ما يجري داخل الجيوش العربية المخترقة حتى العظم لكن هل يمكن مباغتة اسرائيل بالهجوم، في ظل تفوقها في مجالات الإتصالات والرصد؟.

5 حزيران صاروخي

إن الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل والتعهد علنا ومن جميع من مر على كرسي الرئاسة الأميركية، بالحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي، هو ما كان يجعل الوصول إلى توازن استراتيجي معها شبه مستحيل، بسبب تزويدها بأحدث الطائرات الحربية والتكنولوجيا العسكرية . وهو ما ينبئ ان أي مواجهة كلاسيكية معها محكومة بالفشل. ولكن هل إستجد ما جعل إسرائيل تبدأ بالشعور بخطر فقدان تفوقها الإستراتيجي؟ لماذا تجازف بتكرار الغارات على الأراضي السوريّة متحمّلة إمكانية إنجرارها الى حرب أخرى مع الدولة السورية؟ ولماذا تعتبر أن إمداد حزب الله بالصواريخ الإيرانية المتوسطة المدى، هو كسر للتوازن الإستراتيجي مع إسرائيل؟ كيف لهذه الصواريخ أن تغير المعادلات العسكرية، وتقلب ميزان المعركة لصالح محور المقاومة؟.

لقد أدرك محور المقاومة أن طريق التوازن النوعي مع العدو الإسرائيلي صعب ويحتاج لزمن طويل، خاصة ردم الهوة الكبيرة بين سلاحي جو العدو، والمحور المذكور. فالمواجهة الجوية محسومة النتائج لصالح اسرائيل لذا يتجنب سلاح الجو السوري الدخول في مواجهة مباشرة ويكتفي بالدفاع، وهو نفس السبب الذي جعل صدام حسين "يهرّب " طائراته الحربية الى المطارات الإيرانية قبيل الهجوم الأميركي، وخبأ الجزء الآخر، ولم يدفع به الى معارك مستحيلة.

لكن ظهور القدرات الصاروخية الإيرانية، معطوفاً عليها أزمة الموقع الجغرافي وأزمة المساحة لإسرائيل، كفيلة بقلب المعادلة. فإذا كان مستحيلا التغلب على الأسطول الجوي الحربي لإسرائيل، فمنعه من العمل ليس مستحيلا بل في متناول اليد، وبالقدرات المتوفّرة. فالخطر الوجودي على اسرائيل يتمثل بتدمير مطاراتها فيخرج سلاح الجو عن العمل. فهل يمكن تنفيذ ضربة مباغتة تخرج المطارات الإسرائيلية عن الخدمة ولو موقتاً؟ اسرائيل دون سلاح جو! هل ستتمكن بقية اجنحة جيشها من الصمود في وجه قوات عسكرية امضت 5 سنوات متواصلة في معمودية النار السورية واحترفت قتال أشرس الميليشيات الإنتحارية وهزمتها في جميع المواقع؟.

تمتلك اسرائيل 29 مطاراً ما بين مدني وعسكري، فلو أراد العرب تنفيذ خطة عدوان 5 حزيران 67 ضد اسرائيل، لتطلب الأمر تخصيص سرب طائرات لكل من المطارات المذكورة، وإبقاء هذا الهجوم الضخم سرياً وهو مستحيل لدى الأنظمة العربية. كذلك الطيران باتجاه الأراضي المحتلة دون كشفها من الرادارات. بينما الصواريخ لا تحتاج سوى لكبسة زر في توقيت واحد دون الحاجة الى تحرّكات مثيرة للشبهة فالصواريخ على عكس الطائرات لا تحتاج إلى تحضيرات معقدة للتربيض والإطلاق.

فلو تمّ ارسال عشرة صواريخ على كل مطار في وقت واحد يكفي ان ينجح احدها في الوصول الى هدفه ليخرج المطار عن الخدمة لبضعة ساعات حتى لو لم يصب المدرج مباشرة. فالشظايا والحجارة المتناثرة كفيلة بتعطيل الطيران الحربي عن العمل لأن من شروط الإقلاع، خلوّ المدرج من أي أجسام صلبة كالحجارة أو المسامير، خوفاً من شفطها الى داخل المحرك وتعطيله. والمدّة التي سيستغرقها تنظيف المدرج كفيلة بوصول الطيران الحربي لإكمال مهمة الصواريخ وتصحيحها. أو نجاح القوات البرية للمقاومة في تنفيذ عمليات اختراق سريعة في منطقة الجليل الأعلى التي تعتبر تضاريسها مثالية لخوض معارك متكافئة مع العدو، ستكون فيها الشجاعة هي الفيصل والحكم.

صواريخ حزب الله أخطر من الإيرانية

قد يفسر هذا سر اللهفة الاسرائيلية-الأميركية لقطع طريق التواصل البري العراقي السوري، والسماح بانتقال عناصر داعش المهزومين في الرقة الى منطقة البوكمال الحدودية. لأنه مع هذا الطريق الآمن لن يكون بمقدورهم تمييز شاحنات نقل الصواريخ من شاحنات البضائع التجارية. وهذا الطريق سيسهم في تدعيم ترسانة حزب الله المتخمة أصلا بالصواريخ. وما يخيف اسرائيل من صواريخ حزب الله أكثر من الصواريخ الإيرانية، أن هذه الأخيرة تحتاج الى 7 دقائق لتصل من ايران اليها، بينما صواريخ حزب الله تحتاج من 10 ثوان لتصيب مطار كريات شمونة في شمال فلسطين، الى 4 دقائق لإصابة أبعد نقطة في مطار ايلات الذي يبعد حوالي 350 كلم عن جنوب لبنان. وفي حال تم تقسيم المهام مع الجيش السوري فسيكون الأمر اسهل عبر إطلاق الصواريخ من محافظة السويداء السورية الأقرب الى خليج العقبة وجنوب فلسطين.

إن تطبيق هذا السيناريو الحربي يحتاج إلى ارادة قتاليّة حاسمة بلا تردد، ارادة خوض حرب خاطفة ومدمّرة لاسرائيل، لأن أي تردد أو تضعضع في محور المقاومة سيسمح لإسرائيل بإستعادة المبادرة وحشد حلفائها لإعادة قلب مسار الحرب وتحويل الهزيمة الى نصر، بالضبط كما فعلت في حرب تشرين 1973. إن أي حرب كلاسيكية مع اسرائيل ستكون لصالحها في ظل تفوّقها العسكري والجيوسياسي المستجد. لذا على المحور المقابل أن يستفيد من عوامل التفوق التي يمتلكها كالعمق الجغرافي والعديد البشري وإنسداد أفق الحل السياسي للقضية الفلسطينية، لفرض واقع جديد على الأرض.