ما ان تم وأد الخلافات السياسية التي استفحلت بين المسؤولين وهدّدت الحياة السياسية اللبنانية بالشلل، حتى اطلت مشكلة اساسية برأسها الى الساحة، وهي تهدد بدورها مواضيع واستحقاقات ينتظرها لبنان والعالم.

هذه المشكلة ليست سوى الكهرباء، وهي نزيف مستفحل منذ سنوات، بات معروفاً انه يتعرض لعراقيل ومطبات من قبل سياسيين ومسؤولين. واذا انطلقنا من تفكير رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ القاضي بعدم رمي الاتهامات دون اثباتات، وهو تفكير محق وسليم، فإنه في المقابل من غير المنطقي التفكير بسبب آخر يحول دون النجاح في اقرار حل جذري لهذه المعضلة فيما تم ايجاد حلول لمواضيع ومشاكل كبيرة واساسية. ولعل هذا المنطق نفسه هو الذي فرض ما نشر في وسائل الاعلام عن نية الرئيس عون وضع حد نهائي للمشكلة والا فسيخرج الى الاعلام للحديث عن اسباب العرقلة والمعرقلين، وقد برزت في الآونة الاخيرة حملة عليه، ومن الملاحظ ان الاصوات المنتقدة ترتفع كلما علا الصوت بوجوب ايجاد حلٍّ للكهرباء.

ولاننا في لبنان، فليس من الممكن عدم التفكير بأسباب عدة للهجوم على رئيس الجمهورية في موضوع الكهرباء، ويأخذنا المسار في هذا السياق الى ​الموازنة​ و​الانتخابات​ وهما الموضوعان الاكثر الحاحاً حالياً لانهائهما في اسرع وقت ممكن، الاول بسبب المؤتمرات الدولية التي تنتظر لبنان وتعده بمساعدات مالية ضخمة لتعزيز اقتصاده وتقوية جيشه وتلطيف وضع النازحين، والثاني بسبب الدفع الدولي لانجاز الاستحقاق الانتخابي في وقته ودون اي اعذار اضافية (الا في حال اندلاع حرب وهو امر لا يزال بعيداً عن التنفيذ حالياً).

ويبرز السؤال عن كيفية تأثر الكهرباء على الموازنة والانتخابات؟ اما الجواب فليس معقداً، ففي شق الموازنة، تبرز الكهرباء كأحد المواد الاساسية والدسمة لتأخير انجاز هذا الامر، وهو ما من شأنه التأثير على الصورة السياسية للمسؤولين اللبنانيين من جهة، واظهار لبنان وكأنه غير قادر وغير مستحق ان تعقد مؤتمرات دولية لمساعدته لانه لا يملك رؤية اقتصادية واضحة، ولا قدرة عنده للقيام بأي اصلاحات خصوصاً وانه يكون قد عجز عن الاتفاق على القيام بأمر بديهي وفي صلب الحياة الدستورية وهو اقرار الموازنة العامة التي على اساسها يجب الانفاق، وليس عبر الاستثناء الذي هو القاعدة الاثني عشرية.

هذا الامر سيسيء الى الوضع السياسي للمسؤولين اللبنانيين، وسيظهر ان الانقسامات كفيلة بتعطيل الحياة اللبنانية، وانه اذا لم يتم النجاح في التعامل مع قطاع واحد ك​قطاع الكهرباء​، فما الذي سيضمن التعامل مع قطاعات ومرافق اخرى تنخر الدولة واموالها وتضع اقتصادها واصلاحاتها في مهب الريح؟.

وفي شق الانتخابات، غني عن القول ان اي خطوة ناقصة من شأنها ان تعود بالفائدة على الاطراف الاخرى المعارضة، وبات من المسلّم به ان المعني تحديداً في هذا المجال هما ​التيار الوطني الحر​ و​تيار المستقبل​ حيث يدافعان بشراسة عن خطة الكهرباء الموضوعة، فيما يعارضها اطراف آخرون.

لا يمكن الوقوف بشكل كامل مع التيارين المذكورين في الخطة الموضوعة، ولا شك ان هناك شوائب وملاحظات يجدر الاخذ بها من اجل تقويم بعض الخلل، الا ان من غير المنصف للبنانيين ان يستمروا رهائن التجاذبات السياسية في موضوع حيوي واساسي كالكهرباء، في ظل توافر الكثير من الحلول والاستفادة من تجارب لدول عانت اكثر بكثير مما يعانيه لبنان في هذا المجال.

ان استمرار الرئيس عون بموقفه المشدد على انهاء ازمة الكهرباء، سيؤدي الى مسارين لا ثالث لهما: اما الاتفاق على خطّة نهائية لحل هذا الموضوع، واما الوصول الى خلاف سياسي بعد ان يسمي الاشياء بأسمائها ويحدد مكامن واسباب العرقلة والمعرقلين، وهو من شأنه تهديد اقرار الموازنة من جهة، ويضع الاستحقاق الانتخابي في موقف حرج.