إختار النظام السُوري توقيتًا مُناسبًا لمُحاولة القضاء عسكريًا على ثغرة أمنيّة مُهمّة تتمثّل في تواجد آلاف المُسلّحين المُعارضين له في "الغوطة الشرقيّة"، بشكل يُبقي العاصمة دمشق تحت رحمة هؤلاء. فهل سينجح الهُجوم الشرس والدموي الذي يُنفّذه حاليًا، في القضاء على آخر الجيوب المُسلّحة قرب العاصمة، وهل من خيارات أمام المُعارضة للردّ؟.

بداية لا بُد من الإشارة إلى أنّ ​النظام السوري​ إستغلّ الخلافات المُتصاعدة بين القوى الداعمة لما تبقّى من فصائل المُعارضة، وصراعات نُفوذها المُتفاقمة، بسبب ملفّ ​الأكراد​ وغيره، لإطلاق سلسلة من الهجمات الجويّة والقصف الصاروخي والمدفعي العنيف على الغوطة الشرقيّة المُحاصرة منذ العام 2013، مُعتمدًا مرّة جديدة على تكتيك "الأرض المحروقة" للتقدّم، ولوّ على حساب تدمير المنطقة كليًا وسُقوط الكثير من الضحايا المدنيّين. ووصف الكثير من المُراقبين هجوم الجيش السُوري والقوى الحليفة على الغوطة حيث يُوجد ما بين 350 إلى 400 ألف نسمة مُحاصرين، بأنّه الأكبر والأقوى منذ العام 2015، وهو يُمهّد بدون أدنى شكّ لإنطلاق أكبر هجوم برّي على المنطقة، حيث يتحصّن ما لا يقلّ عن 15000 مُسلّح مُعارض موزّعين على مجموعة من الفصائل الإسلاميّة المُتشدّدة وجماعات تكفيريّة.

إشارة إلى أنّ ​روسيا​ الراغبة منذ مدّة بوقف المعارك العسكريّة في ​سوريا​، والتي تضغط لإنجاح المُفاوضات القائمة برعايتها والرامية إلى التوصّل إلى حلول سلميّة تضمن نُفوذها ومصالحها في سوريا والمنطقة لعقود كاملة، سعت لتجنيب الغوطة هذه المعركة، حيث أنّها لعبت دورًا حاسمًا في تصنيف ​الغوطة الشرقية​ في أيّار من العام الماضي ضُمن "مناطق خفض التصعيد" في سوريا، وهي حاولت في الأيّام القليلة الماضية التوسّط لسحب آلاف المُقاتلين من المنطقة إلى إدلب–كما يُطالب النظام السُوري، لكنّ الفصائل المُعارضة والقوى الإقليميّة التي تقف وراءها، رفضت العرض، في ظلّ إصرار النظام السُوري على إنهاء المسألة، إمّا سياسيًا وإمّا بالقوّة–مهما كلّف الأمر. يُذكر أنّ مُعارضي النظام يُسيطرون حاليًا على نحو مئة كيلومتر مربّع من الغوطة الشرقية، بعد أن كان الجيش السُوري قد نجح في تقليص مساحات سيطرتهم جزئيًا، عبر هجمات مُتفرّقة نفّذها خلال العامين الماضيّين.

وفي ظلّ هذه المُعطيات من المُتوقّع إستمرار المعارك العنيفة، حيث أنّ إجتماعات مجلس الأمن والوساطات الدَولية لن تتجاوز مرحلة تسجيل المواقف الإعلاميّة، والضُغوط الدَوليّة التي قد يتمّ تأمينها في الساعات المقبلة غير كافية لإعادة الأمور إلى ما قبل المعركة، حيث أنّ دمشق تتصرّف من موقع المُنتصر، وتشترط إنسحاب المُسلّحين من المنطقة بشكل كامل وبدون إستثناءات، بهدف وقف إطلاق الصواريخ والقذائف على دمشق بشكل دوري. وهي أظهرت جدّيتها في هذه المعركة الجديدة، من خلال طبيعة الحشد العسكري الكبير الذي خصّصته للمعركة التي يُديرها شخصيًا المسؤول العسكري الذائع الصيت في الجيش السُوري العميد ​سهيل الحسن​ المُلقّب بالنمر.

في المُقابل، إنّ كثرة عدد المُسلّحين المُحاصرين، وقيامهم على مدى سنوات بحفر الأنفاق، وبإقامة المراكز العسكريّة تحت الأرض، وبتحصين دفاعاتهم، سيجعل المعركة البرّية صعبة ومُكلفة، وربّما طويلة نسبيًا. لكنّ المُعادلة العسكريّة واضحة، حيث لا يُمكن لأي قوّة مُحاصرة القتال إلى ما لا نهاية، ما يعني أنّه عاجلاً أم آجلاً ستُضطرّ الفصائل المُسلّحة المُعارضة للنظام السوري للرضوخ للضغوط، وللمُوافقة على الإنسحاب وإخلاء المنطقة. وكل التوقّعات تُشير إلى أنّه من المُنتظر أيضًا، أن تتدخّل موسكو من جديد، بعد بضعة أيّام أو بعد أسابيع قليلة على أبعد تقدير، لتقديم عرض إنسحاب جديد للمُسلّحين المُعارضين مُشابه للعرض الذي قُدّم لمُسلّحي حلب في السابق، وتحديدًا في نهاية العام 2016، على أن تضمن ​الأمم المتحدة​ حسن التنفيذ.

في الخلاصة، القرار للنظام بإنهاء الوجود المُسلح في الغوطة الشرقيّة مُتخذ، والمُجتمع الدَولي غير قادر على عرقلته على الرغم من المجازر الحاصلة بحقّ المدنيين، والخيار الوحيد الذي قد يُؤخّر إستعادة النظام للغوطة هو مدار بحث جدّي حاليًا بين القيادات المُعارضة، وهو يتمثّل في أنّ يعمد ما تبقى من قوى مُسلّحة مُناهضة للنظام، ومن جهات إقليميّة داعمة لها، إلى تفجير الوضع عسكريًا من جديد في مُختلف الجبهات السوريّة الباقية، وإلا فإنّ مسألة سُقوط الغوطة أو إنسحاب المُسلّحين منها–في أفضل الأحوال، ما هي إلا مسألة وقت.