قيل وسيقال الكثير في زيارة الموفد السعودي والمستشار في الديوان الملكي ​نزار العلولا​ الراهنة ل​لبنان​، والتي يبدو انها لن تكون يتيمة، إذ ستليها زيارات دلّ إليها انّ الرّجل، ومن خلال متابعاته الدؤوبة للشؤون اللبنانية في اطار المهمة التي أوكلتها القيادة ​السعودية​ اليه، فَهم لبنان جيداً، وأدرك كُنه تركيبته وفسيفسائه السياسية والطائفية والمذهبية الحسّاسة، الأمر الذي لمسه منه بعض الذين التقوه حتى الآن.

تكتسب زيارة العلولا، المكلّف الملف اللبناني في الادارة السعودية، لبنان، في رأي فريق من السياسيين المتابعين للعلاقة اللبنانية ـ السعودية، أهمية كبيرة نسبة الى الظروف التي يمر بها لبنان والمنطقة، وهي ستطبع نتائجها مستقبل هذه العلاقة بعد كل ما شابَها منذ تشرين الثاني الماضي من شوائب والتباسات.

وبعض الذين التقوا العلولا فوجئوا بمدى معرفته بالاوضاع اللبنانية وتفاصيلها ماضياً وحاضراً، ومدى إدراكه طبيعة الصيغة اللبنانية الفريدة، كذلك فوجئوا بفهمه للبنان بكل مكوّناته السياسية والطائفية والمذهبية، ما دفعهم الى الاعتقاد بأنّ القيادة السعودية التي اطلقت مشروع «رؤية المملكة 2030» أخذت في الاعتبار ضمن هذا المشروع ضرورة إعادة بناء علاقات المملكة مع اشقائها العرب، ومنهم لبنان، على أسس جديدة تلاقي صيرورة المملكة الى واقعها الجديد الذي سيتولّد من قيام «المملكة العربية السعودية الثانية» التي بدأ ولي العهد الامير محمد بن سلمان العمل على تحقيقها بموجب تلك رؤية المملكة 2030».

ولعلّ ما لفت المراقبين، كذلك الذين التقاهم العلولا، الى انّ ​الرياض​ بدأت تدشين صفحة جديدة في العلاقات مع لبنان، سينسحب مثلها في علاقاتها مع دول أخرى، انّ الشخصيتين المرافقتين للعلولا في محادثاته تعتبران من الراسخين في معرفة لبنان، وهما: السفير السعودي ​وليد اليعقوب​ الذي يعرف لبنان جيداً منذ ما قبل تعيينه سفيراً فيه قبل بضعة اشهر حيث كان ضمن طاقم السفارة الديبلوماسي لسنوات منذ ايام السفير الدكتور عبد العزيز خوجة، والوزير المفوض ​وليد البخاري​ الذي خَبر لبنان جداً أثناء تولّيه مهمة رئاسة البعثة الديبلوماسية السعودية في ​بيروت​ منذ انتهاء مهمة السفير علي عواض العسيري الى حين خلافة اليعقوب له قبل أشهر قليلة.

إذ كان للبخاري صولات وجولات في غمار لبنان من حيث واقعه السياسي وعلاقاته مع المملكة وبقية ​الدول العربية​، فضلاً عن واقع العلاقات بين المكونات اللبنانية السياسية والطائفية والمذهبية، ودور لبنان الحضاري والثقافي وما يتميّز به من حوار مُستدام بين الديانات.

ويعتقد بعض السياسيين انّ زيارة العلولا ستُعطى تفسيرات كثيرة، خصوصاً انها تأتي في ظل استعداد مختلف المكوّنات السياسية اللبنانية لخوض استحقاق الانتخابات النيابية المقررة في 6 أيار المقبل على رغم ممّا لا يزال يحوم في بعض الاوساط الداخلية الخارجية من مخاوف على مصيرها، فالمؤيدون للمملكة او الذين يعتبرون أنفسهم حلفاءها يتوسّمون خيراً من زيارة العلولا لجهة مَدّهم بجرعات من الدعم لعلهم يحققون في الانتخابات النيابية ما يصبون اليه من مقاعد نيابية.

امّا المعارضون للمملكة فينظرون بارتياب الى مهمة العلولا، ويذهب بعضهم الى الظن «انّ المملكة ربما قررت اعادة تجميع صفوف حلفائها لخوض مواجهة سياسية وانتخابية ضد خصومهم وخصومها، وعلى رأسهم «حزب الله» لأنّ القانون الانتخابي يَصبّ في مصلحته وحلفائه، على ما يعتقد هؤلاء الخصوم».

لكنّ سياسيين محايدين يعتقدون انه لا ينبغي إعطاء زيارة العلولا تفسيرات بهذا المعنى، خصوصاً انّ المعطيات الواقعية تشير الى انّ المملكة، وبعد التجربة، وكذلك بعد كل ما أصاب العلاقة بينها وبين لبنان من شظايا نتيجة الازمات والحروب الدائرة في المنطقة، باتت تفصل بين علاقتها التاريخية المعروفة بلبنان بكل مكوّناته، وبين الازمة القائمة بينها وبين «حزب الله»، وبالتالي ​ايران​، اذ انها ليست في وارد التخلي عن مصالحها التاريخية في لبنان، وهي مصالح سابقة على مصالح اي دول اخرى راهنة او سابقة.

على أنّ بعض الذين اطّلعوا على ما رَشح من مناخ محادثات العلولا ولقاءاته حتى الآن، تحدّثوا عن انه نقلَ الى الذين التقاهم ثوابت القيادة السعودية في التعاطي مع لبنان وهي الحرص على استقراره، وعدم التخلّي عنه نسبة الى العلاقات التاريخية القائمة بينه وبين المملكة منذ تأسيسها.

وقد استنتج هؤلاء انّ زيارة العلولا لبيروت تدشّن عملياً صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية ـ السعودية فَرضتها طبيعة الظروف التي يمرّ بها البلدان، وسوف تتظَهّر طبيعة هذه الصفحة في وضوح من خلال ما ستشهده هذه العلاقات من تطورات في قابل الايام والاسابيع والاشهر المقبلة، خصوصاً بعد أن يلبّي رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ الدعوة الرسمية التي نقلها اليه العلولا لزيارة المملكة والاجتماع مع المسؤولين السعوديين الكبار، والمرجّح ان تتمّ هذه الزيارة قريباً، أو»سريعاً» بحسب ما توقّع رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور ​سمير جعجع​ إثر استقباله العلولا في معراب.

بل انّ الحريري سيزور الرياض حتماً قبل المؤتمرات الدولية الثلاثة المقررة لدعم لبنان، في روما لدعم ​الجيش​، وفي ​فرنسا​ لدعم الاقتصاد، وفي ​بروكسل​ للمساعدة في ملف النازحين، وهذه المؤتمرات ستنعقد تباعاً بين النصف الأخير من آذار والنصف الاول من نيسان.

ويمكن الاستدلال الى الصفحة اللبنانية السعودية من كلام المسؤولين السياسيين الذين التقاهم العلولا حتى الآن، فرئيس الجمهورية تلقّى عبر العلولا اشادة سعودية بـ«قيادته الحكيمة». ومن جهته، تلقّى الحريري دعوة لزيارة الرياض وأكد «انّ الهدف الاساسي للسعودية هو ان يكون لبنان سيّد نفسه»، وأنها «حريصة على استقلال لبنان الكامل».

ولذا بين ما عبّر عنه العلولا من فهم لواقع لبنان، وما طرحه أمس وسيطرحه اليوم وطوال اقامته في بيروت من افكار وثوابت ستسير عليها العلاقة السعودية مستقبلاً مع لبنان، وبين ما عبّر عنه رئيسا الجمهورية والحكومة، يمكن القول انّ العلولا رسم خريطة طريق لمستقبل العلاقة اللبنانية ـ السعودية، أقلّه من جانب المملكة التي وَسّعت وستوسّع دائرة علاقاتها وصداقاتها من دون حصرها بفريق سياسي واحد، على رغم انّ الرياض ما تزال تنظر الى حلفائها بعين الدعوة الى توحيد صفوفهم وخوض الاستحقاقات متآزرين متعاونين، بما يحقق لهم ما يَصبون اليه من موقع في الحياة السياسية المستقبلية.

وإذ تحمل دعوة الحريري لزيارة الرياض عدة مَعان لافتة، وتؤكد عودة العلاقات الى طبيعتها بينها وبينه، فإنّ المطّلعين يؤكدون انّ زيارة الموفد السعودي لضريح الرئيس الشهيد ​رفيق الحريري​ تؤكد ما كان يتردد خلال الاشهر القليلة المنصرمة من انّ الرياض ما تزال على خيارها التعاون مع النهج الذي أرساه الحريري الأب على مستوى العلاقة بينها وبين لبنان، او على مستوى طريقة تعاطيه مع كل المكونات السياسية الداخلية، وكذلك على مستوى العلاقات بين لبنان والدول العربية وبينه وبين المجتمع الدولي.

لكن هذا لا يعني انّ الرياض لا تُقفل الباب خيارات اخرى غير الخيار الحريري، بدليل انفتاحها على قيادات أخرى في الطائفة الاسلامية السنّية من مثل الرؤساء ​نجيب ميقاتي​ و​فؤاد السنيورة​ و​تمام سلام​، الذين سيلتقيهم الموفد السعودي تباعاً اليوم، الى جانب آخرين أيضاً في إطار تدشين النهج الجديد في علاقة الرياض مع لبنان بكل مكوّناته، مؤسّساً لزيارة أخرى قد يقوم بها الى لبنان في الاسابيع المقبلة.