"سيكون لـ"القوات" مرشّحون في الأغلبيّة الساحقة من الدوائر، والمرشّحون المفترضون هم من حملة التغيير الفعلي وليس بالقول فقط، والإصلاح في العمق ليس بطرق أخرى، وهؤلاء المرشحون سيكونون على شاكلة نواب القوات الحاليين ووزرائها".

يحمل هذا الكلام لرئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ أكثر من رسالةٍ مبطنة لمن كان يتوقع أن يكونوا "حلفاءه" في السباق الانتخابيّ قبل غيرهم، ولا سيما "​التيار الوطني الحر​"، من خلال الغمز على وتر "التغيير والإصلاح"، ولا سيما بعدما أصبح "الطلاق الانتخابيّ" بينهما شبه محسوم، حتى في الدوائر المحدودة التي كانت مفتوحة على إمكانية التعاون.

بوضوح، يقول جعجع للقاصي والداني إنّه قبل "التحدّي". هو سيخوض ​الانتخابات​ في أغلب الدوائر، ولكنّه يتجنّب الحديث عن التحالفات، في ظلّ الغموض والضبابية المحيطين بها حتى إشعارٍ آخر. وبعدما دقّ جعجع أبواب معظم الأفرقاء، بات السؤال الكبير، ماذا لو أقفلت كلّ الأبواب أمام "القوات"، وذهبت إلى الانتخابات وحيدةً؟.

أين الحلفاء؟!

عند إقرار القانون الانتخابيّ، الذي سُمّي للمفارقة بـ"قانون ​جورج عدوان​"، أي على اسم أحد نوابها، هلّلت "القوات"، على اعتبار أنّ هذا القانون سيسمح لها، بالتحالف مع "التيار الوطني الحر"، من اكتساح المقاعد المسيحيّة إلى حدّ كبير، وبالتعاون مع "​تيار المستقبل​" من السيطرة على المجلس النيابي ككلّ، وبالتالي التحكّم بقراراته. وكترجمةٍ للحماسة "القواتية"، التي وصفها البعض بالمفرطة، للقانون، كانت "القوات" أول من بدأ بتنظيم المهرجانات الانتخابيّة، وإعلان أسماء المرشّحين، حتى قبل أن يبدأ غيرها بالتفكير بالانتخابات وكيفيّة خوضها، لدرجة أنّ هذا الأمر سبّب لها "الصداع" مع الكثير من الأصدقاء والحلفاء، الذين رأوا في سلوكها محاولةً لإحراجهم بشكلٍ أو بآخر.

رويدًا رويدًا، بدأت الحماسة "القواتية" تخفّ، مقارنةً بثبات الثنائي الشيعيّ على سبيل المثال، الذي أعلن بالتضامن والتكافل لوائحه الانتخابيّة في كلّ الدوائر، بعدما تقاسم مكوّناه، أي "​حزب الله​" و"​حركة أمل​"، كلّ المقاعد الشيعيّة، ولعلّ "الحسد" الذي عبّر عنه وزير الاعلام ​ملحم الرياشي​ من قدرة الثنائي الشيعي هذه كافٍ للدلالة على "الخيبة" التي حصدتها، بعد تخلي "التيار" عنها، قبل وبعد المفاوضات الانتخابيّة. وعلى الرغم من أنّ الاتصالات بين الجانبين لم تنقطع، فإنّ "المَخرَج" الذي تمّ التوصّل إليه عبر الحديث عن "اتفاق" على "الاختلاف" لم يبدُ مقنِعًا لكثيرين، بل ظهر في مكانٍ ما وكأنّه محاولة "رفع عتب" ليس أكثر ولا أقلّ، خصوصًا أنّ الدوائر المشتركة بين الجانبين أكثر من أن تُعَدّ وتُحصى، وبالتالي فإنّ خوضهما المعركة جنبًا إلى جنب من شأنه أن يرفع الحاصل الانتخابيّ، وبالتالي يصعّب مهمّة اللحاق بهما على القوى الأخرى.

وفي وقتٍ لا يخفى على أحد رهان "القواتيين" اليوم على إحياء التحالف مع "تيار المستقبل"، خصوصًا في ضوء الزيارة التي قام بها الموفد السعودي ​نزار العلولا​ إلى لبنان، والتي ألحِقت بزيارةٍ من رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ إلى المملكة العربية ​السعودية​، يبدو واضحًا أيضًا أنّ "القوات" تستمرّ بفتح العديد من الخطوط الانتخابيّة، وأبرزها مع حزب "​الكتائب​". إلا أنّ المفارقة هنا أيضًا أنّ المفاوضات مع "الكتائب" لا تسير وفق أمنيات "القوات"، إذ إنّ رفع الأسقف متبادَلٌ بين الجانبين، بل إنّ شروط "الكتائب" لا تجد الصدى المطلوب لدى "القوات". وقد أصبح معلومًا أنّ "الكتائب" ترفض أن يكون تحالفها مع "القوات" أو غيرها انتخابيًا محضًا، وهي تطالب باستقالة وزراء "القوات" أولاً، فضلاً عن كونها تريد من "القوات" سحب بعض الترشيحات التي كانت قد أعلنت عنها، وهو ما ترفضه "القوات"، وهذا الأمر يسري في البترون مثلاً، حيث تصرّ "الكتائب" و"القوات" كما النائب ​بطرس حرب​ على خوض المعركة في وجه وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​.

حساباتٌ معقّدة...

إزاء كلّ ذلك، يمكن القول إنّ "القوات"، كما الكثير من الأحزاب والقوى، تنتظر عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض لتبني على مواقفه المقتضى، خصوصًا على صعيد التحالفات، وهي تبني على "الحفاوة" التي لقيتها من جانب الموفد السعودي نزار العلولا، لتمنّي النفس بأن تستطيع المملكة أن "تمون" على الرجل ليتحالف مع "القوات"، مستعيدًا بذلك مشهد قوى الرابع عشر من آذار، بدل البكاء على أطلاله. إلا أنّ "القوات"، ورغم ذلك، تضع في حساباتها أيضًا، احتمال أن يتمكّن "الشيخ سعد" من إقناع السعوديين بوجهة نظره القائمة على أنّ مصلحته تقضي بالتحالف مع "الوطني الحر" لا "القوات"، أو في أحسن الأحوال، بخوض المعركة منفردًا، على أساس أنّ ذلك يساعده على تحصيل نوابه بـ"عضلاته"، من دون الاضطرار لتقديم أيّ تنازلات أو هدايا مجانية لهذا الحليف أو ذلك.

فماذا لو عاد الحريري من السعودية كما ذهب إليها، مقفلاً الأبواب أمام التلاقي الانتخابي مع "القوات"، علمًا أنّ كلّ الاتصالات والمفاوضات السابقة لدخول المملكة على الخطّ عجزت عن تأمين مجرّد لقاءٍ شكليّ بينه وبين "الحكيم"؟ وهل تعتقد "القوات" أنّ باستطاعتها تحقيق "الانتصارات" بمفردها، كما غيرها من القوى التي تردّد أنّ القانون الانتخابيّ الجديد يحتّم ذلك، كون التحالفات بموجبه يمكن أن تكون مضرّة أكثر منها إيجابيّة؟.

لا شكّ أنّ وجهات النظر داخل "القوات" كما داخل غيرها من الأحزاب تتباين هنا، إلا أنّ ما يتّفق عليه معظم "القواتيين" هو أنّ خوض المعركة الانتخابيّة من دون تحالفات لن يكون في صالح مخطط "القوات" برفع حجم كتلتها النيابيّة، ووصول شخصيات محسوبة عليها إلى الندوة البرلمانية في معظم ​الدوائر الانتخابية​، حتى تلك المحسوبة على "الخصوم"، وهو مخطّطٌ يبدو واضحًا من خلال إعلان "القوات" عن مرشّحين لها في كلّ الدوائر من دون استثناء، بما فيها دوائر الجنوب. إلا أنّ "القوات" ستواجه في هذه الحالة مشكلة تأمين "الحاصل الانتخابيّ" الذي يفرضه القانون الانتخابيّ لتأهيل اللوائح الانتخابيّة، وهي المشكلة نفسها التي تعانيها مثلاً بعض المجموعات المدنية التي تحاول المنافسة، إلا أنّ تشتّتها يحرمها من ذلك.

وإذا كان صحيحًا أنّ "القوات" تستطيع، من دون معوّقات تُذكَر، أن تحافظ على حجم كتلتها النيابية الحالية، حتى ولو خاضت المعركة بمفردها، وفق قاعدة أنّ حيثيتها الشعبية في مناطق نفوذها تجعلها تؤمن الحاصل الانتخابي في الكثير من الدوائر بسهولة، ولا سيما في دائرة الشمال الأولى، وكسروان-جبيل، وبيروت الأولى، وبعبدا، والشوف، وزحلة، وربما بعلبك-الهرمل إذا عرفت كيف تلعب "التكتيك"، فإنّ ذلك لن يشكّل "انتصارًا" بأيّ شكل من الأشكال لـ"القوات" التي خاضت معركة القانون الانتخابيّ بكلّ جدية، لتوسيع حجم كتلتها، وصولاً لجعلها موازية لكتلة "التيار الوطني الحر"، وهو أصلاً ما كانت تصبو إليه عندما أبرمت "التفاهم" معه، قبل أن تنقلب كلّ المعطيات بسحر ساحر.

إلى "​14 آذار​" در...

قبلت "القوات" التحدّي. ستخوض المعركة الانتخابيّة في معظم الدوائر، وسيكون لها مرشّحون جديون للمنافسة، بمعزل عن المفاوضات، وما يمكن أن تفضي إليه على خط التحالفات. أما الإعلان عنهم، فمتروكٌ للرابع عشر من آذار، تاريخٌ اختارته "القوات" بعناية وعن سابق تصوّر وتصميمٍ في محاولةٍ لاستعادة "أمجاد" ثورةٍ ساهمت في تحقيق الانتصار المدوّي قبل تسع سنوات.

قبلت "القوات" التحدّي، مرغمة أم بطلة، لا فرق، لكنّ عينها تبقى، انطلاقاً من "الرمزية" نفسها على تغيير في قواعد اللعبة في اللحظة الأخيرة، تغيير يعيد "المستقبل" إليها ويعيدها إليه، بمباركةٍ سعوديّة، تغيير تدرك "القوات" أنّه قد يكون "صمّام الأمان" لها في انتخاباتٍ تعتقد أنّها لن تكون خاسرة فيها، كيفما خاضتها، لكنّها لن تكون رابحة فيها إلا إذا نجحت في نسج التحالفات و"تركيبها"...