لبنان في ذاته فيلم، مخرجُه ضائع أمّا مَخرجُه فخالقُه وحده. لبنان فيلم طويل ومع ذلك لم يملّه المشاهدون. يمتعضون من طفرة أحداثه وفوضاها وعوامل الإطناب والتسويف فيه ولكنّهم لا يملّون من مشاهدته، ولا حتّى من إعادة المشاهد نفسها من عامٍ إلى آخر أو قلْ من يومٍ إلى آخر.

وطالما أنّ الوطن الكبير فيلم، لا داعيَ للتساؤل عن الأفلام “القصيرة” التي يعيشُها المواطنون يوميًا حدّ أنها غدت قوتَهم المستدام.

قد تعجّ المقاربة التي تحتضنها هذه السطور بكثيرٍ من “الكليشيهات” الاستعاريّة، لا بل قد تبدو المقاربّة بأمّها وأبيها “كليشيه” ممجوجًا، ومع ذلك تحتفظ الإسقاطات، المُستقاة من عالم هوليوود الفانتازي، ببعض الجماليّة المريرة متى تمّت “أقلمتُها” مع الواقع اللبناني، وتحديدًا متى وُضِعت في الميزان مع “الإنتاجات” السياسيّة اللبنانية الضخمة.

يستحقّ رئيس الحكومة هذا العام كلّ الأوسكارات، لا على الأفلام التي أنتجها بل على تلك التي كان بطلَها ولمّا يزل. فيوم استحقّ في الرابع من تشرين الثاني الماضي جائزة أفضل ممثل في دور رئيسٍ في فيلم “ليلة خُطِف سعد”، أحبّ الرجل التمثيل وتماهى مع الأدوار المكتوبة خصّيصًا له. هكذا تراءى لكثيرين قبل أن يفاجئهم الشيخ سعد في العام الجديد بموهبةٍ غير متوقّعة ألا وهي نسج “السكريبت” الخاص به وبأبناء كتلته الزرقاء أولًا من باب “التوفير” بعد تراجع قدراته الإنتاجيّة، وثانيًا من باب التخفيف من حدّة اللهجة السعوديّة في السيناريو كي لا يُفضَح الأمر ويغدو الفيلم برمّته “صناعة غير لبنانيّة”. اليوم بالذات، تنتقل الجائزة إلى الرئيس ​فؤاد السنيورة​ الذي أوهم بعض الناس بأن عزوفه عن الترشُّح يأتي من باب مخالفة القانون الجديد ​الدستور​، ليحصد بذلك الرئيس الحريري جائزة أفضل مخرج للفيلم الذي حمل عنوان “ليلة عزف السنيورة”.

واستكمالًا لتوزيع الجوائز المُستحقّة، للمرة الأولى يحتار النقاد في جائزة أفضل “حبكة” لفيلم “زياد وسوزان”، وكذا المشاهدون اللبنانيون الذين بدا الفيلم بالنسبة إليهم عصيًا على الفهم وأقرب إلى الجدل الذي أحدثه فيلم Inception يوم خرج منه عشاق السينما متسائلين: ماذا شاهدنا للتوّ؟ هكذا يبدو الفيلم المندرج في الخانة البوليسيّة، بحيث لم يفهم أحد من هو مُخرجه “العظيم”، ومن هو كاتب السيناريو “العظيم”، ومن هو بطل الحكاية المحبوب والبطل الشرير. في هذي الحال، وقبل التوجّه إلى حجب الجائزة في انتظار تبيان الهويّات، كان اللجوء إلى

البطل في دور سنوي (إيلي. غ) أشبه بإضافة نكهةٍ تعقيديّة جديدة إلى الفيلم. وعليه، تتسلّم الجائزة ​الدولة اللبنانية​ - بجلالة قدرها- بما أنها المُنتجة الأكبر لهذا النوع من الأفلام التي يمكن أن تتحوّل إلى Series “ربّيحة” تسهم في تمويل الموارد الضريبيّة في ​سلسلة الرتب والرواتب​ كونها مرشحّة لتصبح Best Seller في غضون أيام بهمّة “المغرّدين” والفايسبوكيين الجهابذة الذين تحوّل كلٌّ منهم إلى كتبة سيناريوهات وفق أهوائهم المُشخصنة.

جائزة أفضل موسيقى تصويريّة تذهب بلا منازع أو منافس إلى رئيس ​حزب الكتائب اللبنانية​ الشيخ ​سامي الجميل​ الذي كان إطلاق حملة حزبه الانتخابيّة أشبه بحفلٍ موسيقيٍّ ضخم بمعايير عالمية. الجميّل الذي اختار شعار “نبض التغيير” لفيلمه الانتخابي، ليس عليه التوجُّس من اتهامه بسرقة “Shape” الحفل بتفاصيله شتّى من حملة مرشّح اليسار الراديكالي الفرنسي للانتخابات الرئاسيّة في العام 2017 ​جان لوك ميلانشون​، طالما أن الفيلم الفائز منذ ساعات في الأوسكار The Shape of Water هو فيلمٌ مسروق أو هكذا اتُّهم مخرجه (غييرمو ديل تورو). ورغم ذلك حصد العدد الأكبر من الجوائز كونه مُتقنًا، لذا لا خوف على مقعد سامي في برلمان 2018 وربما على مقاعده الأخرى.

وكما يسبق أوسكارات هوليوود اختيارُ أسوأ ممثل، لن يتردّد النقاد في اختيار أبطال فيلم “البلطجة” كأسوأ ممثلين للعام الجاري، بعدما نال الفريقان المتنازعان قسطهما من شتائم المشاهدين الذين ملّوا مشاهدة الفيلم نفسه والقائمة حكايتُه على فعل قبيح (من قبيل الإهانات الكلامية) وردّ فعل قبيح (من قبيل حرق الإطارات والاعتداء على ممتلكات الناس).

ختامًا، وكما خطف الفيلم التشيلي A Fantastic Woman جائزة أفضل فيلم أجنبي، نمنح الدولة اللبنانية، نحن مواطنيها الغيارى، الجائزة نفسَها طالما أنها هي فاقدة هويتها ونحن لم نؤمن بعد بأنها دولة قادرة على أن تنتج فيلمها الوطني الخاص من دون تدخلٍ “أجنبي”، لذا جديرةٌ هي بهذا التكريم عن فيلم رعبها A Fantastic State.