بدأ العد العكسي للانتخابات النيابية، وعلى الرغم من ان الكثيرين كانوا غير مقتنعين انها ستتم في وقتها وان عقبات عدة ستعيق حصولها، الا ان هذه العقبات ذُلّلت واحدة تلو الاخرى، وها نحن اليوم امام واقع ملموس مفاده ان اسابيع قليلة تفصلنا عن الاستحقاق النيابي الاول الذي سيجري وفق قانون جديد، وفي مرحلة غدا فيها قبلة الانظار الاقليمية والدولية ونجح في فرض نفسه كبلد يستعد لدخول نوادي الدول النفطية، وبامكانه التغلب على الارهابيين، وعلى واجهة الضغوط السياسية والدبلوماسية من جهة، و​التهديدات الاسرائيلية​ من جهة اخرى، استنهض المرشحون للانتخابات الهمم وبدأوا حملة اعلامية واعلانية لجذب الناخبين.

صحيح انه عند كل استحقاق انتخابي، تنزل الى الاسواق تصريحات ومواقف للاشخاص انفسهم انما تكون مغايرة لما دأبوا على قوله منذ وصولهم الى البرلمان، الا ان هذه المرة يبدو ان الامور تتطلب سقفاً اعلى، لذلك قرر المرشحون ارتداء اقنعة حديثة وموافقة لمتطلبات المرحلة والقانون الجديد، علّهم يطلّون بحلة جديدة على الناخب فـ"يفضل" على غيرهم ممن يتنافس على الدخول تحت قبة البرلمان.

وفي وقت تسابق الجميع لاعلان ابوّتهم ل​قانون الانتخاب​ الجديد الذي "اراحنا من ​قانون الستين​"، ها هم يتفقون على رجمه بالحجارة بعد ان اتهموه بشتى انواع الصفات البشعة، معتبرين انه "مسخ" ظهر علينا فجأة وكأن من اتفق على وضعه كانوا من كوكب آخر وتم ارساله لنا على متن مركبة فضائية ليتبنّاه ​مجلس النواب​ الحالي. وما اتفق عليه المرشحون لم يتعدّ هذه النقطة اي كيل اللعنات والشتائم للقانون الجديد، وفي ما عدا ذلك تحولت الساحات الاعلامية لمناقشات حامية ولجولات طويلة من الصراع الكلامي بينهم.

خليط من الاحزاب هنا وهناك، وما يمكن فهمه في تحالفات منطقة سيبدو غامضاً ومبهماً في منطقة اخرى، ومن اعتدنا سابقاً على رؤية وجهه في هذا التيار او الحزب لسنوات وسنوات، نقل من هذه اللائحة الى تلك التي تنافسها سياسياً واجتماعياً... حتى الحضور النسائي الذي ايّده الجميع ولو بخجل، والذي كان من الواجب ان يفرض بعض الهدوء واللياقة والحماس المحبب الذي لا يخرق حاجز التوتر والغضب والانفعال غير المضبوط، اخذ يتأثر بالجو التصعيدي الذي خلقته الاجواء الانتخابية التنافسية، فدبّت الغيرة بالسيدات لوضع كل الاسماء التي عُرفن بهن في مختلف مراحل حياتهن، ولم يعد يقبلن باسم واحد مخافة ان يتم "خداع" الناخب ليقترع اخرى، وكان حديث عن "مؤامرات" عليهن لمنعهن من الوصول الى الندوة البرلمانية، حتى انه دار سجال بين المرشحات لم يكن لائقاً بهن الوصول اليه، بدل ان استغلال حضورهن الطاغي الاول (ولو انه يبقى دون التوقعات 111 مرشحة فقط)، لاثبات وجودهن واحداث تغيير نوعي منذ ما قبل الانتخابات وخلال اجرائها وما بعدها، بدل الاكتفاء بركب القطار وتبنّي العادات والتقاليد التي ترافق الاجواء الانتخابية، دون ان يغيّرن في المعادلات اي شيء.

اقنعة كثيرة سقطت في المرحلة الاخيرة قبل اجراء الاستحقاق النيابي، ولم يعد ممكناً معرفة الوجه الحقيقي للمرشحين، وما اذا كانت هذه الاقنعة هي الاخيرة ام ان هناك خلفها اقنعة اخرى، وكيف يجب على الناخب ان يتعامل مع اقوال وشعارات الناخبين، وما اذا كان مجلس النواب سيتحول فعلاً الى ساحة للصراع السياسي، ام انه سيكون نسخة منقّحة (ربما اكثر شباباً بعض الشيء)، عن النسخة السابقة التي دخل النواب الى ​ساحة النجمة​ خلالها بعمر ​الشباب​ ويهمّ بعضهم على مغادرة البرلمان وقد كبروا في السن بفعل ​التمديد​...

"ما اضيق العيش لولا فسحة الامل"، فلنحمل آمالنا معنا الى ما بعد ايار المقبل، علّنا ننجح في تجسيد شيء منها، والا فنتركها معنا كي لا نغادر هذه الحياة ونحن محبطون ويائسون، بل متعلقون بفسحة الامل.