لم يغب عن بال اللبنانيين صورة جبال القُمامة التي تكدّست في العاصمة ​بيروت​، وكيف أدار الساسة ظهورهم لمشكلة حقيقية عاشها البيروتيون بخيبة أمل. مشكلة فضحتها الروائح الكريهة والصور البشعة التي أضحت على كل مسمع ولسان بعدما صوّرتها شبكة "CNN" الأميركية ومنحت بيروت بطاقة تعريف بـ"عاصمة ​النفايات​".

ولم تُكوَ بعد جروح البيروتيين الذين عانوا من غياب استراتيجية دفاعية وحروب مختلفة، بدءا من حرب الآخرين على أرضهم عام 1975 مرورا بالحروب المختلفة مع اسرائيل إلى حرب الداخل في 7 أيار 2008. واليوم، تلقي ​الحرب السورية​ بثقلها منذ 7 أعوام على مصالح اللبنانيين، وتسجّل تزايدا في مشاكلهم الاجتماعية وتكبّدهم خسائر اقتصادية، في ظل غياب السياسات الوقائية المضادة.

صورة هذا الماضي القريب، تعود إلى نهج سياسي كان قد كسب ثقة البيروتيين في أكثر من مناسبة، وها هو اليوم ومع انطلاق استحقاق الانتخابات النيابية، لا ينفك في استمالة الناخبين لمصلحته بوعود قد لا تنفع هذه المرة، مع تبدّل الظروف و"تلقيح" ​القانون الانتخابي​ بـ"النسبية المقنّعة" وانتشار أوسع لشبكات التواصل الاجتماعي.

اليوم، وبعد 9 أعوام خلت من الانتخابات النيابية في لبنان، ينتظر اللبنانيون السادس من أيار لاصدار حكم جديد، وهذا الحكم درجات، يتأرجح بين انجاح مرشح او اسقاطه، وبين إلغاء بيت سياسي او بناء زعامة جديدة، او حتى منح فرص تاريخية لمرشحين جدد من خارج دائرة الأحزاب التقليدية التي عرفها لبنان.

وتشخص العيون بشكل كبير إلى المرشحين عن بيروت بالدائرتين الأولى والثانية، ولا يبدو المشهد مثيلا لسلفه، مع تشكّل لائحة باسم "كلنا بيروت"، التي يصرّ القيّمون عليها أنها لا تشبه غيرها. فيوم الثامن عشر من آذار، وتحديدا عند الواجهة البحرية لبيروت، طرحت "كلنا بيروت" نفسها لائحة انتخابية في دائرة بيروت الثانية من عائلات بيروتية عريقة، وهي لائحة ولدت من ​المجتمع المدني​، لم يشهد لها لبنان من قبل، كلائحة مدنية مستقلة تماما عن الأحزاب تطرح مشروعا سياسيا، وهذه اللائحة قرّر أعضاؤها خوض معركة تطبيق الدستور، وهي تضم المهندس ابراهيم منيمنه والدكتورة نهاد يزبك ضومط والدكتورة ندين عيتاني والدكتور ناجي قديح والمهندس حسن سنو والمهندسة زينة مجدلاني إضافة إلى الصحافي ​مروان الطيبي​.

واذا ما التفت الشاب البيروتي اليوم إلى البرنامج الانتخابي الخاص بلائحة "كلنا بيروت"، يجد أنه تطرّق إلى نقاط جريئة مختلفة مثل تشغيل التاكسي البحري في بيروت ضمن خطة اصلاح شاملة لخط ​النقل العام​ على غرار أثينا وأنقرة ولندن، بالاضافة إلى تسهيل تأسيس الشركات الفردية، وهو الأمر الذي يصب في مصلحة الشباب وتنشيط سوق العمل، ولم يغفل البرنامج عن الأمور الحياتية البديهية المتعلقة بالمواطن البيروتي بما فيها الكهرباء وقطاع الاتصالات، وانشاء صندوق انمائي خاص ببيروت.

وما يميّز برنامج لائحة "كلنا بيروت" أيضا عن البرامج الأخرى في لوائح المجتمع المدني، أنه يحمل رؤية سياسية بعنوان "​الأمن​ الوطني وأمن الانسان واللبنانيين"، وتقول هذه الرؤية إن "الاصرار في تجاهل المؤسسات والمسالك الرسمية في تطبيق مفهوم المقاومة الوطنية قد هزّ أركان ​الدولة اللبنانية​، لذا تؤمن حملة كلنا بيروت بضرورة العمل على تأمين ضمانات قانونية واجرائية ليسري حكم القانون على قرار السلم والحرب وسير العمليات العدائية ضمن الهيكلية الدفاعية القائمة لدى الجمهوية اللبنانية للحفاظ على الأمن الوطني اللبناني".

في غضون ذلك، يؤكد أحد مرشحي لائحة "كلنا بيروت" المهندس ابراهيم منيمنه ان ما يميّز اللائحة عن غيرها من اللوائح أنها تحاول ان تخاطب المجتمع البيروتي بخطاب سياسي واضح، وتضم مرشحين لديهم حيثيات ويتأصّلون من عائلات بيروتية لها تاريخ.

ويتوجّه منيمنه الى أهالي بيروت بالقول إن مرشحي اللائحة يقفون الى جانبهم ويحكون لغتهم، ويتعهد اليهم أن تعمل "كلنا بيروت" على ترميم الفجوة وازالة الحاجز بين المسؤول والشعب.

ويدعوهم إلى عدم التردد والتصويت بكثافة للتعبير عن رأيهم، ويعتبر أن استحقاق الانتخابات النيابية فرصة أمامهم لتغيير حياتهم.

ويشير مرشح لائحة "كلنا بيروت" إلى أن بيروت قلب الوطن ومدينته، ويضيف أنه لا يتخيّل أن يعيش خارج العاصمة وأنه سيكون لها الدور الأساسي بنهضة الوطن.

واليوم، من يعيد الأمسيات الجميلة والمهرجانات الدولية التي تليق بعاصمة مثل بيروت؟ ومن يعوّض على البيروتيين 13 عاما من اللا إستقرار والاجحاف بحقهم والحياة البائسة؟ من يعيد للعاصمة وهجها وللبيروتيين فرحتهم التي سُلبت منهم من دون الإكتراث لحالهم؟ من يعيد إليهم فترة عرفت بـ"الذهبية" كان قد عاشها جيل شباب الألفية الجديدة عندما كانت الحياة أسهل والمعيشة أفضل، وعندما كانت الضحكة أكبر والملاعب مسارح تمتلئ بالمحتفلين اللبنانيين والعرب والأجانب؟.

كانت بيروت قبل عام 2005 تستقبل 7 مليون سائحا، فبيروت التي كانت يوما وجهة لاستراحة الملوك ورؤساء الدول والفنانين، كلهم تركوها لوحدها تلفظ أنفاسها عندما أخفق الساسة بحقها.

وبين صفحة سوداء ضاق البيروتيون بها ذرعا وأخرى بيضاء لم يعشها أهلها بتفاصيلها ظنا منهم أنها ستستمر لكنها توقفت فجأة، وبين نهج سياسي قديم اختبره البيروتيون وأصبحوا على دراية بنتائجه ونهج سياسي جديد يطرح نفسه ويطلب فرصة من أجل الاصلاح، يبقى الانتظار لمعرفة أين ستصب أصواتهم!.