إستغرقت الترتيبات التنظيمية واللوجستية بكل تفاصيلها من اختيار الفندق وقاعات الافتتاح والاجتماعات وجلسات النقاش وصولاً الى ترتيبات وصول الوفود وأماكن جلوسها في النسخة السادسة لـ«مؤتمر ​الأمن​ الدولي» في ​موسكو​ أسابيع طويلة من النقاش والتحضير داخل أروقة ​وزارة الدفاع الروسية​ الراعي الأساس للمؤتمر، إلّا أنها وفّرت للنسخة اللاحقة كثيراً من الوقت والجهد في ظلّ جمع القادة العسكريين الكبار لدول تجمعها الخصومة الى حدّ العداء والإقتتال كالكوريّتين الشمالية والجنوبية و​السعودية​ و​سوريا​ وصولاً الى ​إيران​ و«إسرائيل» تحت سقف واحد بما له من ​حساسية​ في الموقف..

بين المؤتمر السابق بنسخته السادسة في العام المنصرم والسابع الذي انطلق اليوم في العاصمة الروسية، التفاصيل بدقتها تعاد والوجوه نفسها باستثناء إستقبال نائب وزارة دفاع ​روسيا​ الاتّحادية الفريق ​ألكسندر فومين​ الضيوف بدلاً من نائب وزير الدفاع السابق أناتولي انطونوف الذي خلع عنه ثوب العسكر لينتقل الى المقرّ الديبلوماسي الأكثر حماوة في العالم، إلى ​السفارة الروسية​ في ​واشنطن​ التي تحمّلها القيادة الروسية مسؤولية المعركة الديبلوماسية التي انطلقت على خلفية تسميم الجاسوس ​سيرغي سكريبال​ وابنته يوليا في ​بريطانيا​.

معركة بدأتها ​المملكة المتحدة​ لتساندها كل دول الغرب تقريباً مستخدِمة سلاحَ طرد ​البعثات الدبلوماسية​ وبلوائح اسمية أُعِدَّت منذ زمن بعيد، على ما يقول مسؤول روسي مطلع لـ«الجمهورية»، أزمة دبلوماسية انعكست على الحضور الذي تراجع غربياً في النسخة السابعة للمؤتمر، وبين الغائبين وزارياً ​لبنان​ الممثل ب​اللواء​ سمير الحاج.

وإذا كانت الأحداث الملتهبة في ​الشرق الأوسط​ والدور الروسي العسكري المتعاظم فيها عنوان النسخة السادسة للمؤتمر، فللشرق، وتحديداً سوريا، حضور من نوع آخر في النسخة الحالية للمؤتمر من بوابة اعادة الإعمار بعد أن حسم الروس المعارك في الميدان، لتنطلق مرحلة تقييم جهود ​مكافحة الإرهاب​ وصولاً إلى إعادة الإعمار السلاح الأكثر إغراءً على ما يبدو في وجه الغرب، وخصوصاً الإدارة الأميركية التي على رأسها اليوم مَن خبر عالم التجارة، وتحديداً ​قطاع البناء​ والإعمار، الرئيس ​دونالد ترامب​ الذي سجّلت باسمه أكبر ناطحات السحاب في ​الولايات المتحدة الأميركية​، رجل الأعمال وصاحب أكبر «كازينوهات» المقامرة، قبل أيّ شيء آخر.

ويفتتح المؤتمر رسمياً اليوم بخطاب يلقيه وزير الدفاع الروسي ​سيرغي شويغو​، تليه كلمة وزير الخارجية الروسي ​سيرغي لافروف​، فكلمة مدير جهاز الأمن الاتحادي الروسي الجنرال ألكسندر بورتينكوف، قبل أن يختتم بكلمة ​الأمم المتحدة​ المتوقع أن يلقيها نائب الأمين العام للشؤون السياسية ​جيفري فيلتمان​.

وتشهد قاعات فندق «اوكرانياـ راديسون» وهو أحد شاهقات ستالين من بين سبع ناطحات سحاب بنيت في موسكو بين أواخر أربعينات وأوائل خمسينات القرن العشرين، بما له من رمزية ونوستالجيا الزمن السوفياتي الحاضر بحدثوية في حقبة الرئيس ​فلاديمير بوتين​، والمطلّ على نهر موسكو، سلسلة من جلسات النقاش تعكس ما يدور في العقل السياسي والعسكري للقيادة الروسية المزهوّة بهزيمتها الفاشية الداعشية على الأراضي السورية.

أولى الجلسات بعنوان هزيمة «داعش» في سوريا للبحث في النتائج والاحتمالات حول الأمن في المنطقة ما بعد تقهقر التنظيم الأكثر دموية، معرّجة على الوجود الروسي في سوريا في مراجعةٍ للعملية العسكرية ونتائجها، وصولاً الى خلاصة للتجربة الروسية وأهمّية توحيد الجهود في مكافحة الإرهاب..

ومن «داعش» وهزيمته الى الأمن الدولي في جلسة اختار لها المنظّمون عنوان «عالم متعدّد الأقطاب»، وهو ما يصبو اليه بوتين، مستفيدين من حضور مسؤولين أمميّين ليُعَالَج معهم دور الأمم المتحدة والكيانات الدولية الأخرى في التصدي للتحدّيات الأمنية العالمية في ظلّ غياب القادة العسكريين الأميركيين والبريطانيين.

وسيحضر النقاش حول النزاع المستجدّ في ​أوروبا​ في جلسة منفصلة وسيحاول المنظمون الاستعانة بالخبراء العسكريين الأوروبيين الحاضرين من مراكز الأبحاث الكبرى تعويضاً عن المسؤولين الرسميين الغائبين تزامناً مع حملة طرد البعثات الروسية.

للإجابة عن سؤال كبير أوروبا وروسيا الى التعاون أم المواجهة؟

إلّا أنّ النقاش الأكثر حماوة ودلالة في جلسة المساء وتحت عنوان: «الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: إعادة الإعمار».

إعادة الإعمار التي يرى فيها بعض المراقبين طعماً سيحاول الروس رميه في بحر الغرب لدغدغة ترامب رجل الأعمال لرمي سنّارته عوضاً عن صواريخه البعيدة المدى المعطّلة مسبقاً، سواءٌ بمناطق خفض التوتر المتفق عليها بين الجانبين الأميركي والروسي، أو بقطار المصالحة الذي أقلع على الأرض السورية مستفيداً من ​اللقاء الثلاثي​ بين روسيا وإيران و​تركيا​ المنعقد أخيراً.

وعليه يبدو أنّ روسيا التي يجري تطويقها دبلوماسياً على يد الغرب، لديها أجندة معدّة بدقة ليس، للخروج من الحصار الديبلوماسي وحسب، بل للإنتصار بما حققته على الأرض السورية من قطع لرأس الفاشية الداعشية مع حلفائها الذين شهرت باسمهم سلاح إعادة الإعمار الذي لا يقلّ جذباً وفتكاً من السلاح الذي هدم فيه حلفاء الغرب على أرض الشرق، على ما يقول مسؤول روسي خبر المهمتين العسكرية والديبلوماسية غير البعيدتين بعضهما عن بعض في إدارة بوتين العائد ببلاده بقوة إلى حلبة النزاع الدولي بكل ما فيه من تعقيدات عسكرية وسياسية واقتصادية.