الارثوذكس​ية السياسية في ​لبنان​ ليس مصطلحا فقط سياسيا. الكثير من المؤرخين السياسين يسمونها "الارثوذكسية الجميلة". المصطلح هنا يضمر في ثناياه الدلالة لدور الارثوذكس في اغناء "​المسيحية​ المشرقية". يسمونهم المسلمون بـ"ابناء العم" و"اصحاب الدار"، نظراً لكون الارثوذكس استوطنوا سواحل المشرق قبل المسلمين، ثم تعايشوا وانتجوا تنوع التعايش المشرقي، وبمقدمته قصة تنوع التعايش اللبناني.

وبمقابل ان هناك طوائف تشير الى نفسها بوصفها طوائف مؤسسة للبنان-الكيان، كالدروز و​الموارنة​ نظرا لدورهما في نسيج لبنان الصغير، فأن الارثوذكسية تعتبر طائفة بدأ معها تأسيس رسالة لبنان، الذي شرحه بابا الفاتكيان لاحقا بانه اكبر من وطن ، "أنه لبنان–الرسالة للمنطقة والعالم عن التعايش.

وبخلاف المدارس الطائفية السياسية الاخرى، فان الارثوذكس اللبنانيين لم ينتجوا تعبيراتهم السياسية بواسطة احزاب او ميليشيات. بل دائما توسلوا التعبير عن هويتهم عبر ابراز حيثايتهم الاجتماعية والمدينية المتفاعلة والنشطة في خدمة تعزيز الوجود المسيحي في لبنان والمشرق وفي خدمة الشراكة الوطنية التعايشية.

احدى الجرائد العريقة لم تكن فقط طفرة حرية في كل الاعلام العربي، بل كانت بجانب منها رسالة "الارثوذكسية الجميلة" في تاريخ الصحافة والرأي الحر اللبناني والعربي. و"الجمهورية" تكمل معنى احترام التنوع الراي الحر. الزعماء الارثوذكس السياسيون تموضعوا عند المعنى الاجتماعي الإرتقائي الانفتاحي لبيئاتهم المسيحية، وداخل نسيج بيئاتهم المختلطة دينيا ومذهبيا. شراكة ​ميشال المر​ السياسية والانتخابية مع الأرمن عبر أكبر احزابهم ​الطاشناق​، كانت تشي بهذا المعنى عن "الارثوذكسية التعايشية الجميلة".

وبعد الطائف قاتل ​المسيحيون​ بقوة لتحصين "هويتهم الوجودية الحضارية" ذات المنشأ الارثوذكسي، وذلك بعد ان اورثتهم التجربة الحزبية المسيحية الميليشاوية خسائر سياسية واقتتال داخلي فيما بينهم. في عكار برز عصام فارس كتعبير عن الارثوذكسية الساعية لوقف انهيار إجتماع مسيحي الاطراف. وفي المتن برز ميشال المر، كارثوذكسية تحاول ملء وبلسمة كل فراغ اخطاء التجربة المسيحية الاستراتيجية الماضية ،وهي اخطاء انتقدتها خلاصات كراس صدر عن الفاتيكان بمناسبة اعمال السينودس بعد انتهاء الحرب اللبنانية، وصف فيه طبقة الاحزاب المسيحية بأنهم انانيون ومسؤولون عن ما وصل اليه حال مسيحي لبنان.

لم ينصّب المر المتموضع في قلب الديموغرافيا المسيحية في المتن، ولا عصام فارس المتموضع في اطراف الديمواغيا المسيحية في عكار نفسيهما بديلا للزعامات المسيحية الاخرى، بل استجابا لظروف ضرورة تعبئة "فراغ التوزان "الذي أصاب مسيحي لبنان نتيجة حروب الإلغاء المسيحية البينية.

لقد كانت تجربة ميشال المر في هذه المرحلة ابعد اثراً، فمن موقعه المسيحي الارثوذكسي شق مسارا جديداً "للأرثوذكسية السياسية الجميلة" التي تتسع مظلتها لكل التعبير المسيحي المحبط في لبنان، والحق يقال انه ما ناله على هذا الصعيد من نجاح، لم يصل اليه آخرون من الأرثوذكس حاولوا بناء تعبيرات تبرز دوراً للارثوذكسية سواء داخل فضائيها المسيحي و الوطني المسيحي الاسلامي. تمكن ابو الياس في فترة ما بعد الطائف من ترسيخ دور ارثوذكسي ريادي داخل النظام السياسي الجديد في لبنان، وذلك من خلال موقعه في مجلس الوزراء كنائب للرئيس الحكومة ووزير للداخلية ورئيس لعدة لجان نيابية. وصار مجلسه على مدار اعوام، وبمعدل مرة كل يوم خميس، بمثابة مساحة لقاء لأكثر من ستين نائبا. وكل هذا جعله زعيم بعدة مزايا : ميزة اثبات الوجود المسيحي داخل نظام الطائف الذي ادى في فترته الاولى احباطا مسيحيا من احزابهم ، وميزة للارثوذكسية الجميلة التي تحفر داخل يباس الاحباط المسيحي التي خلفته الحرب معادلة لها داخل النظام الجديد، تمكنها من المشاركة كقوة ندية في قيادة البلد، وذلك الى جانب الرؤساء الثلاثة الماروني والشيعي والسني ، وحتى" الأربعة" فيما لو أضفنا رئاسة ​وليد جنبلاط​ المستحقة له بفعل حضوره.

تاريخ ميشال المر، يقدمه على انه مرحلة مستمرة من "الارثوذكسية الجميلة" الناجحة في تقديم مكاسب للمسيحيين في وقت صعب. والتعاطي معه من قبل الاحزاب المسيحية التي اتفقت عليه الان فيما هي تقتتل على كل شيئ، من دون مراعاة هذا المعنى له، أنما يشي بشيئ واحد، وهي رغبتها باغتيال هذا المعنى الارثوذكسي الجميل داخل الاجتماع السياسي المسيحي، وتوجيه ضربة لتنوع المتن المسيحي، قلب لبنان.

وفي ظل القانون النسبي الذي من اهدافه الحفاظ على التنوع ، ليس مفهوما لماذا تتم محاولات اقصاء حيثيات تعبر عن مسار توافقي واجتماعي تنوعي ايجابي داخل اجتماع المتن. ولماذا يتم تواسل اساليب من نوع استخدام هراوة سرقة مرشحين من لائحة تبرز تعايش التنوع في المتن لمنعها من التشكل، وبدل تجعل معيار الترشح هو "اتواه مالية للاحزاب مقابل قبول طلب الترشح على لوائحها"، و"سرقة دم" من لائحة التعبير الارثوذكسي الجميل داخل المجتمع المتني، لإصابتها بفقر حاصل انتخابي.

يجري ذلك في غمرة أن التيار الحر يرضى بتحالفات مع الجماعة الاسلامية والاحباش واخرين في غير دائرة انتخابية، ولا يستطيع تحمل الاعتراف بوجود تنوع متأصل في المتن. ولا يستطيع تحمل ارثوذكسية جميلة كانت اتسعت قبل العام 2005 لجميع تنوعات المتن الاجتماعية والحزبية، حتى شاعت فيه لفترات تسمية " كتائبيو المر".