بعد مقال "النحس ووعود الزعماء"، سألني البعض ضاحكا، والبعض مكتئبا، إذا ما كان بالإمكان التغلب على النحس، لعلنا نسير في طريق يفتح أمامنا أملا جديدا في وطن الأرز. والتغلب على النحس هنا يعني أيضا التغلب على الشعور باليأس والخنوع أمام الحالة التي وصلنا إليها.

لا شك أن التغلب على النحس يحتاج إلى علاجات متنوعة، خاصة عندما يصبح تشاؤما من الحياة وممن فيها، فيفقدنا القدرة على التحرك نحو الأفضل ويجعلنا نقنع بالسوء الذي يلاحقنا.

هذا مع الأسف ما يحصل مع عدد كبير من الناس الذين أصبحوا مقتنعين بأن الحال السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ​لبنان​ لن تتغير، لا بل تسير نحو الأسوأ. وهذا مع الأسف ما يجعل الكثيرين يمتنعون عن المشاركة في الأمور الوطنية مثل الانتخابات والمظاهرات السلمية المُطالبة بحقوق الناس، وغيرها. والأكثر خطرا أن كثيرين يعيدون انتخاب من انتخبوهم سابقا بحجة أنه لا يمكن إحداث أي فرق ولا أي تغيير، ويصبح انتخاب الذي زفت الطريق زفتا يزول بعد أشهر، والذي وضع لمبة في الشارع تحترق بعد أيام، والذي يَعدُ ولا يفي... تعبيرا عن اليأس من إمكانية إحداث تغيير مستمر يحسن وضع الناس ويعيد إليهم كرامتهم. وربما قائل يقول: هؤلاء هم الحكام الحاكمون وقد حُكم علينا أن نبقى تحت حكمهم!.

وهكذا يصبح الوضع المنحوس الذي نحن فيه حجة لنبرّر لأنفسنا الفشل، تحت شعار: "المنحوس منحوس..."

أما التغلب على النحس الذي أصابنا وطنيا فهو بلا شك ممكن!.

علينا أولا أن نثق بأنفسنا وبأن التغيير نحو الأفضل ممكن.

أن نثق بأن ما يريده الله لنا هو الخير والتطور ولا يريد أن نعيش في ضيقات وصعوبات محاطين ب​الفساد​ محكومين بالسوط.

أن نثق بأنه ما زال هناك صالحون "والله لا يخلينا"، كما يقول المثل. لم نصل ولن نصل إلى "إن خليت خربت". لن تخلى ولن تخرب. "الله في وسطها فلن تتزعزع".

بعد الثقة، لا بد من التحرر!.

يجب أن نتحرر من أقوال الأبراج والتنبؤات. فنحن بأفعالنا نقرر المستقبل ونرسمه.

يجب أن نحرر أفكارنا من الوعود وسلوكياتنا من التبعية والغباء. نستطيع أن نصنع حظنا وحظ وطننا ونتخلص من النحس بمجرد ما أن نصمّ آذاننا عن وعودهم ونفتح أعيننا لنرى الحقيقية بعيدا عن الارتعاب والموالاة العمياء، نراها ناصعة غير مشوهة بالوعود وغير معلبة بالترغيب والترهيب.

وبعد التحرر يجب أن نجدد إيماننا.

نؤمن بقيم المواطنة وحسن الأخلاق، نغتنم الفرص وننتخب من هذا المنطلق. الشعب العظيم هو الذي يغتنم الفرص، لا بل يصنع الفرص.

نؤمن بالخير الذي نستطيع أن نختاره لا بخير وُعدنا به قبل الانتخابات.

وبعد أن نجدد إيماننا يجب أن نعمل.

أن نعمل على تحقيق أحلامنا غير راضين بالأمر الواقع وكأنه عصي على التغيير، أو كأنه حظ هنا ونحس هناك.

لن يجلب الحظ رؤية قطيع من الغنم في الصباح، ويا ليتكم تفكرون إلى أبعد من هذا القطيع، بالقطيع المهرول وراء صاحبه وكأنه لا يعلم أنه ذاهب إلى الذبح.

لن يجلب الحظ سقوط فضلات الطيور على ملابسنا، ويا ليتكم تفكرون بتلك الفضلات التي تسقط إحسانا وهي من حقكم بلا منة من أحد! ألعلكم تفكرون بتلك التي تتساقط علينا وعلى وطننا جبال نفايات!

... وهل حظ الزعماء جيد وحظ المواطن تعيس؟ لا أظن أنكم تظنون ذلك.

أتظنون أن النحس من مواليد شرقنا والحظ من مواليد البلدان الراقية؟ لا بل أقول لكم إن الحظ يتسكع في بلادنا طالبا أن يستضيفه أحد... ولكن ما أكثر العميان.

يا سادة! النحس، إن وجد، حوّلوا طريقه إلى مكان آخر. أما الحظ، إن وجد، فهو يدقّ الأبواب كلها... المهم أن تكونوا موجودين حين يدقّ بابكم.

ألعل زمن الانتخابات وقتا مناسبا يدق فيه الحظ على أبوابنا؟.

أما الحظ الأكبر والحقيقة التي لا لبس فيها، أن يسوع واقف على بابنا يقرع!.

فافتحوا أبواب الضمير فتتغلبون على كل نحس وسوء.