صحيح أن ​التيار الوطني الحر​ حقق فوزاً كبيراً في ​الإنتخابات النيابية​، أولاً بإيصاله الى الندوة البرلمانية ١٩ نائباً حزبياً، وثانياً بتشكيله أكبر كتلة نيابية في المجلس مؤلفة من ٢٩ عضواً، لكن الفوز والكتلة شيء، والنتيجة التي حصدها التيار في دائرتي عكار و​الشوف​-​عاليه​ شيء آخر كلياً. لماذا؟ لأسباب عدة منها ما له علاقة بالسياسة، ومنها ما هو مرتبط بالأرقام.

ففي دائرة الشوف وعاليه حيث توقع خبراء الإحصاء بأن تفوز لائحة تحالف التيار مع المير ​طلال ارسلان​، وفي أحسن أحوالها بمقعدين فقط، هزّت هذه اللائحة العرش الذي يتربع عليه الحزب التقدمي الإشتراكي منذ عشرات السنين، وفازت بأربعة مقاعد، ماريو عون وفريد البستاني في الشوف، وإرسلان وسيزار أبي خليل في عاليه، الأمر الذي لم تتوقعه ماكينة الحزب التقدمي الإشتراكي ولو للحظة، إذ أن الأوساط الإشتراكية كانت تعتقد قبل أسبوع من يوم الإنتخاب، بأن لائحة تحالفها مع ​القوات اللبنانية​ وتيار المستقبل، قادرة على حصد بين ١١ و١٢ نائباً من أصل ١٣ وأن الخصم القادر على خرقها فقط خصوصاً بعد رفع النائب ​وليد جنبلاط​ سقف التجييش عالياً، هو رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الوزير طلال أرسلان، الذي ترك له الحزب التقدمي ولإعتبارات درزية بحتة، مقعداً درزياً شاغراً على لائحته في عاليه. الخسارة الكبرى التي مُني بها الحزب الإشتراكي في عقر داره، يفسرها مصدر شوفيّ بارز على الشكل التالي: في السابق كان جنبلاط يسمي شخصياً المرشحين على لائحته، وكان يحدد للأحزاب المتحالفة معه حجم تمثيلها على اللائحة، وأحياناً وصل به الأمر الى إبداء الرأي بالمرشحين الذين سمتهم الأحزاب المتحالفة معه، بحجة أن القاعدة الجماهيرية للحزب الإشتراكي تفضّل مرشحاً عن الآخر، أما اليوم وبعد نتيجة إستحقاق الأحد الفائت، التي لا يجب أن ننسى منها أيضاً، الرقم الذي حققه الوزير السابق ​وئام وهاب​، (أكثر من ٧٠٠٠ صوت) والذي كان قريباً من تحقيق الخرق بمقعد درزي وعندها كانت الكارثة ستقع على المختارة، فلم يعد بمقدور جنبلاط التحكم بعملية تشكيل لائحته، وأصبح مضطراً لأن يحسب ألف حساب لأي لائحة تنافسه لائحته في دائرة الشوف وعاليه، كما أصبح بفعل القانون الإنتخابي الجديد، لكل صوت مسيحي أو درزي معارض لجنبلاط، أهميته في الدائرة المذكورة.

أما في دائرة عكار، حيث حصدت لائحة تحالف التيار مع النائب السابق محمد يحيى مقعدين مقابل خمسة لتيار المستقبل وحلفائه، "فالمفاجأة هناك" يقول خبير إنتخابي، "جاءت مدوّية، لأن ما من أحد في لبنان عموماً وفي عكار خصوصاً كان يتوقع أن تحصل لائحة التيار الوطني الحر على حاصل إنتخابي واحد، بينما أعطت صناديق الإقتراع مقعدين للائحة، أسعد درغام العوني الملتزم، ومصطفى حسين النائب السابق عن المقعد العلوي. نتيجة، تجعل التيار في الدورة المقبلة يتعاطى بجدية أكثر مع عكار، وتدفع قيادته الى عقد تحالف مع قوى فاعلة في المنطقة، وبالتأكيد ستكون النتيجة أكثر من مقعدين.

هذا في الأرقام، أما في السياسة، فيمكن القول إن التيار الوطني الحر، فرض نفسه بفعل الإنتخابات الأخيرة لاعباً إنتخابياً بارزاً في دائرتي عكار والشوف–عاليه، حيث لم تكن قوته هذه من ضمن حسابات من يظنون أنفسهم أنهم يملكون قرار هذه الدوائر.