على غرار العلاقة المحرّمة التي انبثق منها ولادة طفل، بات من المؤكد ان ​مرسوم التجنيس​ ابصر النور بالفعل وكان في طريقه للتنفيذ، ولم يكن مجرد شبح، قبل ان يدخل رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ على الخط مجدداً ويُدخل اباً رابعاً للمرسوم (آباؤه الثلاثة هم الرئيس عون ورئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ووزير الداخلية نهاد المشنوق الذين وقّعوا على المرسوم)، هو المدير العام للامن العام ​اللواء عباس ابراهيم​.

ما الذي حصل في الساعات الاربع والعشرين الماضية وافضى الى هذه التطورات الدراماتيكية على المرسوم، واين يقبع الشك من اليقين في الموضوع؟ بداية، لا بد من تسجيل ملاحظة مهمة وهي ان اطلاق المواقف من قبل البعض دون اطلاع على الموضوع وحيثياته، يثبت يوماً بعد آخر انه يسيء الى صاحب هذه المواقف والى مَن مِن المفترض ان يدعمه. فكل من قال ان المرسوم غير موجود او انه سليم ولا غبار عليه، او انه لا يجب لفت نظر من وقّع عليه الى بعض النقاط، او حتى من حاول رمي الكرة في ملعب الآخرين للتنصل من المسألة او الابقاء على غموضها، تلقى صدمة كبيرة ويجب ان يعتبر من هذا الدرس لمعرفة كيفية التعاطي الصادق مع مواضيع على هذه الدرجة من الحساسية، وخصوصاً انه يشارك في الحياة السياسية!.

اما بعد هذه الملاحظة، فما حصل هو ان اسئلة عديدة تراكمت حول خلفية المرسوم ونوعية الاسماء الموجودة فيه، وما اذا كانت تحوم حولها شبهات امنية او اقتصادية او غيرها... وبما ان المرسوم قد حمل توقيع المسؤولين الرسميين وبات قانونياً، كان لا بد من ايجاد طريقة ما لانهاء اللغط الدائر حوله، فكان تدخل رئيس الجمهورية مجدداً والاستعانة باللواء ابراهيم للتحقيق في الاسماء، وهذا ما يسمح بـتعليق مفعول المرسوم دون ان يلغيه طبعاً، وتهدئة الاوضاع بعض الشيء ليبنى بعدها على الشيء مقتضاه.

من الناحية الاكيدة، يمكن القول ان المرسوم صدر بالفعل وحمل تواقيع عون والحريري والمشنوق، وانه يتضمن اسماء اشخاص من جنسيات شقيقة وقلّة من جنسيات صديقة، وغالبية الاسماء المشمولة بالمرسوم هي من الفلسطينيين والسوريين الذين يثيرون حساسيّة الدستور ال​لبنان​ي منعاً لتنفيذ اجندة خارجية تقضي بتوطينهم في الدول التي تستضيفهم. كما انه من اليقين ايضاً ان هناك شخصيات معروفة ومتموّلة قد شملها المرسوم، اضافة الى عدد من الاسماء التي تثير شكوكاً امنية، وقد تم ادخال اسم رابع علني الى الموضوع وهو اسم اللواء ابراهيم الذي تحوّل الى شريك بالمرسوم بنسخته المنقّحة والنهائية التي ستظهر لاحقاً علماً انه كان يجب ان يكون حاضراً من خلال توقيع وزير الداخلية كون الامن العام مديرية تابعة للوزارة.

في المقابل، ومن ناحية الشكوك، هناك الكثير من المسائل بقيت عالقة، اولها ما تم نشره عن نية الرئيس عون وضع الملف في عهدة الامن العام للتحقيق بالاسماء، وهذا يعني اما انه تم الايقاع برئيس الجمهورية من اجل الحصول على توقيعه وهذا امر تُسأل عنه دوائر القصر الجمهوري اذا كان صحيحاً، او انه تمت اضافة اسماء الى المرسوم بغفلة من الرئيس، وهذا امر تُسأل عنه دوائر القصر الحكومي ودوائر وزارة الداخلية ودوائر ​قصر بعبدا​ لاحقاً اذا كان صحيحاً ايضاً، وفي الحالتين يجب تحميل المسؤوليات الى من يجب ان يتحملها وبشكل سريع.

ومن الشكوك ايضاً ما يثار عن اموال دُفعت من اجل الحاق اسماء بالمرسوم وبمستفيدين من الموضوع على مختلف المستويات، وهو امر خطير يأتي في خضمّ الاعلان عن تجهيز لبنان لحملة على الفساد يشارك فيها الجميع (في المبدأ) من شأنها وضع حجر الاساس لخطة ستقضي على الفساد وتُصلح الوضع الاقتصادي المتزعزع. وفي هذا المجال، يُطرح سؤال عن جدوى هذه الاموال التي دفعت وما اذا كانت قد اودعت خزينة الدولة، بعد ان تبجحنا وافتخرنا بنجاح مؤتمر "سيدر" الذي وُعدنا من خلاله بإغداق الاموال علينا من اجل تنفيذ الخطة الاقتصادية الموعودة، فكيف ستفيدنا الاموال التي وفّرها المرسوم، ما لم تكن وجهتها خارج خزينة الدولة.

وبين الشكّ واليقين، يبقى الاهم الخوف الذي زرعه هذا المرسوم، لان القلق سيلاحق اللبنانيين من الا يكون وحيداً بل البكر لاخوة كثيرين سيبصرون النور في علاقة محرّمة، وسينضمون حتماً الى "نادي اللقطاء"، الا ان غالبية الاسماء الموجودة ستحصل على الجنسية ليزداد عدد -اللبنانيين غير اللبنانيين- ويتنامى، فيما سيقل بشكل دراماتيكي عدد من لا خيار له سوى البقاء، في بلد قد لا يجد في المستقبل القريب ما يعرّف عنه سوى... اسمه.