مجرد التأمل بحال أمتنا العربية وما حل بوطننا العربي وبالقضية ال​فلسطين​ية جراء الهجمة الأميركية الصهيونية الشرسة إضافة إلى تواطؤ الرجعية العربية المتمثلة بدول الخليج النفطي وسعيها الدؤوب إلى تسخير كل الوسائل الاقتصادية والمالية والإعلامية والعسكرية وحتى الفتاوى الدينية المزيفة بهدف إسقاط سورية العروبة، لا يمكن للإنسان العربي الجاهل بتعاليم ومبادئ مدرسة الكبار العظماء إلا أن يصاب بالخوف والهلع والإدبار.

لكن الإنسان العربي الذي تعلم وتشرّب تعاليم ومبادئ مدرسة الكبار، الكبار في أمتنا العربية من الزعيم الراحل ​جمال عبد الناصر​ والرئيس القائد ​حافظ الأسد​، قد تحصّن بالإيمان المطلق والعزيمة القوية للوقوف والعمل المتواصل والصمود والمقاومة لإسقاط تلك الهجمة العاتية الشرسة التي تتعرض لها أوطاننا العربية وبخاصة ما تتعرض له الجمهورية العربية السورية.

إن كل من ترعرع تحت سماء العروبة وآمن بالعمل العربي المشترك حتى في أحلك الظروف لا بد له أن يعيد برمجة تفكيره وتجديد إيمانه بمبادئ مدرسة الكبار وفاء للإرث الذي تركوه أمانة غالية عندنا ولأجيالنا، فكيف لا نحافظ على الأمانة خصوصاً إذا كانت من حافظ الأمانة حافظ الأسد.

إنه العاشر من حزيران من العام 2000 إنها الذكرى الثامنة عشرة على غياب القائد حافظ الأسد الذي تخلد اسمه إنه الرئيس القائد الذي عاش من أجل نهضة الأمة العربية وجعل العمل والتنسيق العربي المشترك هدفاً وأساساً في مواجهة أعداء الوطن العربي وأعداء القضية الفلسطينية.

حافظ الأسد العاشق للتاريخ المجاهد في وضع أسس إستراتيجية من شأنها حماية أوطاننا وبلادنا العربية وخصوصاً سورية العروبة من أطماع أميركا و​إسرائيل​، إنه القائد الذي استطاع تحويل الهزيمة إلى انتصار، هو الذي أفهم القاصي والداني أن الأعداء والحلفاء مهما حاولوا ومهما ضغطوا لن يكون بإمكانهم الحصول على اعتراف أو توقيع لأنه رجل مؤمن بعروبته الحقيقية وبسورية العروبة ومجدها.

إنه المؤسس لمدرسة التعاون العربي حتى في ظل ظروف تعرضه للخيانة والغدر من بعض العرب كما حصل مع ​أنور السادات​ في العام 1973 حين تركت سورية وحدها صامدة تقاوم وتحارب الأعداء بالنيابة عن كل العرب.

لم يأبه لخيانة وغدر بعض العرب لأن عشقه وفهمه للتاريخ أنبأه أن سهام غدر بعض العرب أشد إيلاماً من سهام العدو لأنها عادة ما تكون سهاماً تطلق من مسافة قريبة.

لقد أخلص حافظ الأسد للقضية الفلسطينية وبينما كان يحاول انتزاع الاعتراف بحق الفلسطينيين وتثبيته جاءه الغدر هذه المرة من اتفاق أوسلو الذي أبرمه ​ياسر عرفات​ مع العدو الإسرائيلي سراً إنه الاتفاق الذي نسف حق الفلسطينيين والذي قال عنه القائد حافظ الأسد إن كل جملة فيه تحتاج إلى اتفاق وأضاف إن الأمة ستعاني ويلات هذا الاتفاق لأمد طويل وهذا ما أقره التاريخ وأثبت صوابية رؤية الحافظ.

إنه الرجل الذي آمن بالثورة ال​إيران​ية منذ تبني الثورة بإيران للقضية الفلسطينية منطلقاً من قناعة راسخة أن البلد الذي لا يتخلى عن فلسطين لا يمكنه التخلي عن الحلفاء.

لقد نجح حافظ الأسد في وضع إستراتيجية مع إيران لمواجهة عدو مشترك هو العدو الإسرائيلي ولأنه كان على دراية تامة لخيانة تلك الأنظمة الخليجية التي اعتبرها أنظمة وظيفية لا طائل منها،

كان حافظ الأسد عروبياً شرساً مع إيران أكثر من العرب أنفسهم وكان مع العرب مدافعاً شرساً عن تحالفه مع إيران.

إنه الرجل الذي رفض مساومة الأميركي والإسرائيلي على حبيبات من تراب الجولان السوري لأنه أراد توجيه رسالة أمانة تاريخية للأجيال القادمة بأنه حافظ على تمسكه بحق سورية حتى لو كانت حبيبات أو مجرد أمتار قليلة ولإفهامنا أن تراب سورية العروبة غال جدا.

إن من يقرأ كتاب المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية ​بثينة شعبان​ «حافة الهاوية» سرعان ما يتضح له أنه الرجل الذي حاجج الأميركيين الحجة بالحجة والحق بالحق، لم يتنازل قيد أنملة واحدة عن حق سورية كما يظهر للعالم كيف أن الأميركي ورغم محاولاته الالتفافية الدائمة تعب من النيل من عزيمة الرجل الحافظ.

من يقرأ كتاب وزير ​الخارجية الأميركية​ الأسبق هنري كيسنجر عن حرب الدبلوماسية الذي خصه للمباحثات التي دارت بينه وبين الرئيس حافظ الأسد يكتشف أن القائد الأسد لم يدع وسيلة تحفظ كرامة سورية والعرب وتؤمن حق الفلسطينيين إلا وأعطاها الفرصة لإنجاحها، كما يعترف كيسنجر في كتابه أن الرئيس حافظ الأسد ازدراه ولم يعره اهتمامه عندما حاول ابتزازه، وأضاف كيسنجر إن الرئيس حافظ الأسد هو الرجل الوحيد الذي ازدراني وأفقدني صوابي وأصابني بعقم التفكير.

لم يكن كيسنجر الوحيد الذي ازدراه الرئيس القائد بل إن وزير ​خارجية أميركا​ الأسبق وارن كريستوفر في عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون ازدراه الرئيس حافظ الأسد حين وصل إلى دمشق من دون تنسيق مسبق مع الخارجية السورية طالباً موعداً مستعجلاً من الرئيس الأسد، حينها اعتذر الرئيس حافظ الأسد عن استقباله لأنه كان مرتبطاً بموعد سابق مع رئيس وزراء الهند، وفي اليوم التالي جاء كريستوفر للقاء الرئيس غاضباً عاتباً ولما واجهه الرئيس حافظ الأسد بأن مثل هذا الأمر ما كان ليحصل ببلادكم من غير تنسيق مسبق ونحن لم نتعود استقبال أحد مهما علا شأنه إلا بتنسيق مسبق.

من يقرأ كتاب «الرواية المفقودة» يعلم أن مبادئ الرئيس حافظ الأسد غير قابلة للتبديل أو الليونة ويكتشف أيضاً أنه أعطى الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بناء على طلب الأخير مساحة واسعة من الثقة لإثبات حسن نيته في ضمان حق سورية وحق الفلسطينيين لكنه في نهاية المطاف وأمام صلابة موقف الرئيس حافظ الأسد المتمسك بحق سورية وحق الفلسطينيين فشل كلينتون، وأمر الرئيس الأسد بطي الخرائط وانتهى اللقاء التاريخي بين الرجلين في جنيف.

إنه الرجل الذي استطاع تحويل الخيبة إلى انتصار دبلوماسي وفي كل المراحل.

إنه حافظ الأسد الذي عاش زاهداً ومات مخلصاً لعروبته وهويته ووطنه إنه الذي قال يوماً أريد أن أحظى بجنازة مثل جنازة الزعيم جمال عبد الناصر.

في الذكرى الثامنة عشرة لرحيل حافظ الأسد لا يسعنا إلا أن نكرر وفاءنا للمبادئ التي أورثنا إياها ولا يسعنا إلا أن نجدد إيماننا ودعمنا وإخلاصنا لمن حافظ على العهد والوعد، لمن حافظ على سورية وعروبتها للقائد بشار حافظ الأسد.