يسود شعور لدى أوساط ديبلوماسية غربية بأنّ الظروف باتت ناضجة أمام قيام الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ بكشف وطرح ما بات يُعرف بصفقة العصر.

أحد أبرز النقاط الملائمة لإعلان الصفقة الأميركية يتعلّق بالضغط الكبير الذي تتعرّض له ​إيران​، عسكرياً في اليمن و​سوريا​، وسياسياً بالتلويح بعقوبات جديدة ضد «حزب الله» والانسحاب من الاتفاق النووي وإعلان عقوبات جديدة تؤذي ​الاقتصاد​ الإيراني، وفي موازاة ذلك محاصرة غزة وخنقها إقتصادياً والتلويح بالعصا الفلسطينية بوجه العرش الأردني.

لذلك وبعد طول تردّد خشية أن تولد المبادرة الأميركية ميتة يعتقد الفريق الأميركي الذي يتولّى وضع خطة «صفقة العصر» أنّ الظروف تبدو أكثرَ نضجاً وملاءمةً لطرح المشروع.

وبات معلوماً أنّ هذا الفريق مؤلّفٌ من مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، والممثل الخاص للرئيس ترامب الى الشرق الاوسط جيسون غرينلات، السفير الاميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، و​السفيرة الأميركية​ في ​الأمم المتحدة​ نيكي هيلي التي جرى ضمّها أخيراً الى المجموعة تلبيةً لطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي.

حتى الآن ما تزال بنود الصفقة غامضة باستثناء ما كشف عنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في معرض رفضه لها ولخطوة الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل. لكنّ الاكيد أنّ ادواراً رئيسية سيجري إيلاؤها لدول عربية لناحية تطويع غزة والأردن للجزء المتعلق بالضفة الغربية، واستيعاب ​عرب إسرائيل​ داخل الكيان الأردني ولو من الناحية الإدارية فقط في المرحلة الأولى، والسعودية لناحية تولّي تقديم المساعدات المالية والمنح خصوصاً لغزة من أجل إعادة بناء بنيتها التحتية، وقيل إنّ إحدى ​الدول العربية​ ستتولّى تقديم مليار دولار لهذه الغاية.

لكنّ الكواليس الديبلوماسية تتناقل بعض البنود كمثل دفن حقّ العودة نهائياً، وإنشاء معبر للصلاة يربط ​القدس الشرقية​ بالحرم الشريف من جهة الشرق بحيث تُفتح الطريق للصلاة ثم تُغلق، ليكون بمثابة حلّ للأماكن المقدسة والتي تصبح من ضمن أراضي الدولة الإسرائيلية.

وتأتي زيارة الوفد الأميركي المعني بخطة السلام الى العاصمة الأردنية حيث التقى الملك الأردني بعد ساعات معدودة من زيارة معلنة لرئيس الحكومة الإسرائيلية للعاهل الأردني بمثابة المؤشر الواضح لقرب طرح خطة ترامب.

وكان لافتاً عدم حصول مؤتمر صحافي في ختام أيٍّ من الزيارتين فيما اصطحب نتنياهو معه مسؤولين عسكريين وأمنيين ومن الاستخبارات ومن دون ضمّ السفير الإسرائيلي في الأردن.

والمعلوم انّ أحداثاً داخلية خطيرة كانت قد حصلت قبل ايام . ورغم أنّ عنوان هذه الاحتجاجات تركّز حول الوضع الاقتصادي والمعيشي الداخلي إلّا أنّ أبعاداً سياسية خارجية أعطاها كثيرون لما حصل.

وفيما يراهن البعض على تطويع الموقف الأردني يراهن آخرون على تليين موقف السلطة الفلسطينية من خلال دولة عربية تشترط واشنطن مساعدتها في إنهاء ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومن ثمّ الإسرائيلي – العربي من خلال التطبيع.

وفي خطوة تهدف لحماية السعودية من أيّ ضغوط إيرانية عبر اليمن عند الشروع في «صفقة العصر» كانت الحملة العسكرية على الحديدة لقطع شريان التواصل البحري بين الحوثيين وإيران ما يجعلهم في موقع دفاعي في اليمن لا هجومي باتّجاه العمق السعودي.

في المقابل حسمت إيران قرارَها بعدم التجاوب مع واشنطن وبالتالي عدم القبول بالجلوس حول الطاولة وفتح مفاوضات شاملة بعدما رفض مرشد الثورة آية الله خامنئي طلبات الفريق الإصلاحي مدعوماً بالعديد من رجال «البازار» أو كبار التجار.

وباشرت طهران تحضير نفسها للمواجهة وهو ما سيظهر بوضوح لدى زيارة الرئيس الإيراني الى فيينا في الرابع من تموز المقبل للتباحث مع الدول الأوروبية حول ما تبقى من الاتّفاق النووي.

إقتصادياً باشرت في تجديد وسائلها للتأقلم مع الدفعة الجديدة للعقوبات، وهي تُمسك بقنواتها الخلفية الاقتصادية مع ​الصين​. فالأخيرة ستستورد ما نسبته 7 بالمئة من وارداتها النفطية من إيران وتسعى لطلب المزيد لتأمين ارتفاع النموّ لديها.

وفي المقابل فإنّ الصين التي تفضّل الأنظمة المستقرّة على الغموض وربما الفوضى الناتجة عن التغيّرات الانتخابية والصراعات الداخلية، تتمسّك بمساعدة إيران كما النظام في سوريا لبناء سياسة طويلة الامد. والصين ترى أنّ واشنطن التي تملك أكبرَ قوة عسكرية في العالم تخضع لخطوات متهوّرة في كثير من الاحيان ما يهدّد الاستقرارَ العام ويُلحق بها خسائر غير محسوبة.

وكذلك كشفت إيران أكثر فأكثر عن وجهها في غزة التي تسجّل ارتفاعاً مضطرداً في حماوة المواجهات العسكرية مع الجيش الإسرائيلي. وكانت الرسالة الإيرانية واضحة من خلال الإعلان عن الاتّصال الهاتفي بين الرئيس الإيراني وأمير قطر والذي جاء بالتزامن مع معارك الحديدة، وأعلن روحاني خلال الاتّصال دعمَه لقطر وأنّ الحلّ في اليمن ليس عسكرياً بل سياسياً.

وفي سوريا باشرت واشنطن بفتح بعض الأبواب بوجه تركيا وبالتالي تلزيمها مهمة التوازن مع إيران. ففي الرابع من حزيران حصل اتّفاقٌ في واشنطن بين وزيرَي خارجية الولايات المتحدة الأميركية وتركيا على حساب الأكراد في منبج وعلى أساس أن يشكّل الاتّفاقُ خطوةً أولى لتعاون جديد في سوريا يتمثل بالضغط المشترَك على الرئيس السوري بشار الأسد وإيران وحلفائها للموافقة على حلٍّ سياسيّ من خلال جنيف، في وقت التزمت روسيا بإقفال الجبهة السورية الجنوبية بوجه إيران لعدم التأثير على الداخل الإسرائيلي.

وفي خطوة جديدة طالت الغارات الجوية الإسرائيلية قوات الحشد الشعبي في البوكمال في جدار الحدود مع العراق.

كل ما سبق يوحي بأنّ التحضيرات باتت ناضجة لترتيب المسرح وإطلاق صفقة العصر بأقل الأخطار الممكنة. لكن لا بدّ من ملاحظات سريعة تطال لبنان فصحيح أنّ الغارات في سوريا تتجنّب عمداً مجموعات «حزب الله» لعدم إثارتها وبالتالي اللعب باستقرار الجنوب اللبناني، إلّا أنّ واشنطن باتت أكثرَ قناعة بأنّ الاسد هو أقرب من إيران منه لروسيا بخلاف الحسابات السابقة.

فالعلاقة بين دمشق وموسكو مبنيّة على المصلحة ما يجعل الضمانة الروسية للأسد غير كاملة، فيما العلاقة بين دمشق وطهران اعمق واكثر عقائدية وايديولوجية ما جعل الضمانة الإيرانية للأسد كاملة وشاملة وغير محدودة بتاريخ وهذا له انعكاسه المباشر في لبنان لا سيما على مستوى النازحين السوريين.

والملاحظة الثانية حول التوطين في لبنان. فعندما عقد مؤتمر دافوس منذ عدة اشهر، أبلغ مسؤول عربي رفيع الرئيس سعد الحريري على هامش المؤتمر أنّ

القرار الدولي بإقرار توطين الفلسطينيين في لبنان متّخَذ ونهائي ودعاه للاستعداد له. وأردف بما يشبه النصيحة بوجوب التنسيق مع الأردن لتشابه الظروف بين البلدَين، خصوصاً وأنّ الرئيس الأميركي عندما سيحين الوقت سيقول هذه هي خطة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وعليكم تنفيذها.