بعد مؤتمر النائب ​جميل السيد​ الصحفي الأخير، عاد الخلاف حول ترسيم الجرود بين بلدتي ​اليمونة​ و​العاقورة​ إلى الواجهة من جديد، مع العلم أنه يعود إلى عشرينيات القرن الماضي، حيث اعتبر أهالي اليمونة أنفسهم "مغبونين" في عملية الترسيم التي حصلت.

بسبب هذا الخلاف، وقع عدد كبير من القتلى بين البلدتين، في حين لم تنجح أكثر من 10 لجان وزارية في الوصول إلى حل نهائي له، بينما في عهد الرئيس السابق أميل لحود تم الإتفاق على تحديد "منطقة عزل" في خط الوسط، بحسب ما أكد السيّد، لكن في هذا العام عادت الأمور إلى سابق عهدها، حيث يتسلح أهل العاقورة بالأحكام القضائية المبرمة، التي حدّدت الاطار النهائي للمساحة، من خلال اللجنة التحكيميّة برئاسة القاضي عبدو أبو خير منذ العام 1936.

في هذا السياق، يؤكد رئيس بلدية اليمونة ​طلال شريف​، في حديث لـ"النشرة"، أن "النزاع" القائم يعود إلى أكثر من 80 عاماً، لافتاً إلى أن سببه يعود إلى "قرار تحكيمي بُني على تزوير للحقائق"، ويضيف: "هناك 16 كلم بين البلدتين لا يريدون أن يعطوا اليمونة منها أي متر، في حين نحن نرفض هذا الأمر بشكل مطلق".

ويشير شريف إلى أن جميع القوى السياسية على علم بالواقع القائم، بالإضافة إلى كل المرجعيات في البلد، من رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ إلى رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ وقيادة الجيش اللبناني، لكن حتى الآن لم يتم التوصّل إلى أي حل، حيث الجميع يطلب تقديم ملفّ، ويتابع: "نحن اليوم نوزع الملفات فقط، بينما الأزمة تتفاقم مع مرور الوقت".

وفي حين يحذر رئيس بلدية اليمونة من أن إستمرار "النزاع" على ما هو عليه قد يؤدي إلى سقوط دماء، يشير إلى أنه تم التواصل مع رئيس بلدية العاقورة منصور وهبي في أكثر من مناسبة، لكن "الجماعة لا يريدون الحوار أو الحل لا من قريب أو من بعيد".

من جانبه، يرفض رئيس بلدية العاقورة وصف الأمر الحاصل بـ"النزاع"، مشدداً، في حديث لـ"النشرة"، على أن ليس هناك من "نزاع" يستمر كل هذه السنوات بل هناك "إعتداء" على أملاك البلدة، لكنه يفضل التواصل في هذا الملف مع المستشار الإعلامي في البلدية جليل الهاشم، الذي يوضح، عبر "النشرة"، أن حدود العاقورة كانت تصل إلى الإملاك الرومانية في اليمونة، لكن في العام 1936 طالب أهالي اليمونة بأن تكون حدودهم حتى ما يعرف بـ"طريق الوسط" بينما أكد أهالي العاقورة أن حدودهم هي حتى الأملاك الرومانية، مشيراً إلى أن هذا الجرد في الأصل كان يسمى بـ"جرد جبيل"، لكن أيام السلطنة العثمانية كانت هناك ضرائب على العقارات، وأهالي العاقورة هم من دفعوها، وبات يعرف بـ"جرد العاقورة".

ويلفت الهاشم إلى أنه عند وقوع النزاع حينها تم تشكيل لجنة تحكيمية عقارية بموجب مرسوم برئاسة عبدو أبو خير، كانت بمثابة محكمة عقارية مدنية أحكامها مبرمة غير قابلة للطعن، حلت النزاع في 3 أشهر، وهي رسمت الحدود وثبتتها وأعطت أهالي اليمونة من العقار المختلف عليه 4 مليون متر والباقي لأهالي العاقورة، وبالتالي بات هناك حكماً قضائياً مبرماً ولم يعد هناك من نزاع.

على الرغم من ذلك، يوضح الهاشم، استمر أهالي اليمونة في المطالبة ووقع أكثر من إشتباك مسلّح بين أهالي البلدتين، لكن في العام 1967 تم تثبيت حدود اليمونة على الخط الذي وضعته اللجنة السابقة ووافق أهالي اليمونة على هذا الأمر. بعد ذلك حصلت الحرب اللبنانية وحصل تماس في العامين 1978 و1979 في الجرد، أما بعد إتفاق الطائف تمركز الجيش السوري على "طريق الوسط"، وبعد العام 2000 غادر المنطقة ووضعت نقطة مراقبة للجيش اللبناني، اعتبرها أهالي اليمونة بمثابة الحدّ الفاصل، لكن الجيش ليس قاضياً عقارياً بل يساعد على تنفيذ الأحكام القضائية بحال طلب منه.

على صعيد متصل، يشدد الهاشم على أن أهالي العاقورة يحتكمون إلى الدستور والقانون ويعتبرون أهالي اليمونة أهلهم، وهم ملتزمون بالقانون ولن يتخطوا القوى الأمنية مهما كانت التهديدات التي توجه لهم، ويضيف: "بين الأهل لا يمكن أن يكون هناك مثل الكلام الذي صدر"، معرباً عن أسفه لكلام النائب السيّد الأخير، لأنه بالإضافة إلى صفته الحالية هو رجل قانون وضابط سابق.

وقدم الهاشم مستندين يؤكدان وجهة النظر بلدية العاقورة، الأول هو رسالة من العميد ريمون أده إلى رئيس المجلس النيابي، يعود تاريخها إلى العام 1967، يسأل فيها عن الأسباب التي أدّت إلى إتخاذ قرار التوقف عن أعمال المساحة في جرد العاقورة، موضحاً أن قضيّة المشاع التي يطالب بها أهالي اليمونة صدر فيها حكماً نهائياً لمصلحة أهالي العاقورة، ومشيراً إلى أن أراضي اليمونة مسحت دون أن تشمل القطعة التي يطالبون بها، ومشدداً على أن حق أهالي العاقورة واضح وصريح ومثبت بحكم مبرم، أما المستند الثاني فهو جواب من قيادة الجيش اللبناني على كتاب من قبل بلدية العاقورة، يعود إلى العام 2004، تسأل فيه عن الهدف الذي تم على أساسه إقامة المنشآت في جرود العاقورة، حيث تؤكد القيادة بأن الهدف ليس إلغاء أي فصل أو معلم لحدود الجرود المذكورة.