مع بداية العام الدِّراسي الجديد، 2018 / 2019، سيَزداد عدد ​المدارس​ الخاصَّة في ​لبنان​، القائمة على طريقة "أبو رخُّوصة"، بأضعافٍ كثيرة... وبخاصَّةٍ بعد الاستغناء عن عشرات المُعلِّمين المُرتكبين إِثْمَ أَن تَكون لهم عقودٌ من الخدمة التَّربويَّة، وقد باتت خبرتُهم الطَّويلةُ مصدرَ تهديدٍلِخزْناتِ بعض المؤسَّسات التَّربويَّة، فاتُّخِذ القرار بِصرْفهم بعدما صار راتبُهم يُهدِّد الأَرقام في موازنة الأرباح المُستَترة!...

وستُقام عشرات الدَّعاوى أمام قضاء العَجَلَة، على أنْ تصدُر الأَحكامُ بعد نيِّفٍ وسنتين، إِذا سارَتِ الأُمور في المَحاكم على ما تَسير بِالعادةِ...

غير أَنَّ ما نُورِدُهُ في هذه المَقالة، لا يَدخلُ في باب التَّشفِّي من مؤسَّساتٍ تربويَّةٍ لَطالما بَنَتْ مَجدها على ظُهور مُربِّين كُفُؤٍ تَفانَوا في رسالتِهم التَّعليميَّة، حتَّى صارت تلك المُؤسَّساتُ صُروحَعِلْمٍ وَحصدَت المَجْدَ التَّربويَّ، بل نُورِدُهُ مِن بابِ وَصفِ الأَمر بِدقَّةٍ وأَمانةٍ...

فَلطالَما كانَ الأَهلون يَقولون: "سَجَّلْنا ابْنَنا أَو ابنَتَنا في مدرسة الأُستاذ الفُلانيّ، في إِشارةٍ منهم إِلى أَهميَّةِ انْتقاء المُعلِّمين من ذَوي الخِبرة والمَشهودِ لَهُم في عالم التَّربيةِ، وصولاً إِلى أَنْ تُكنَّى المَدارسُ بِأسماءِ مُعلِّمين يَعملون فيها، وهذه الظَّاهرة تَكادُ تَنْكفئ في عالمِ اليوم...

وحين يَكون المُعلِّم الضَّحيَّةَ وَكِبْشَ المحرَقة في الصِّراع بين الدَّولة العاجِزة والمُؤسَّسات التَّربويَّة النَّهمة دَومًا إِلى المال، فإِنَّ الأَهلين وأَبناءَهم، سيَدفعون هم أَيضًا الثَّمن في الضفَّة الأُخرى... في زمنِ "المحلِ الثَّقافيّ"، وَبالتَّالي، ثمَّةَ اتِّجاهٌ إِلى انتهاج ​سياسة​ "أَبو رخُّوصَة"...

حتَّى وَلَوْ نال أبناؤُنا شهاداتٍ رسميَّةً"مُيَسَّرة"، وبلغَت نِسبة النَّجاح 82 في المئة في الامتحانات الرَّسميَّة على مستوى الوطن، إِلاَّ أنَّالتَّعليم يَبقى مُرادًا يُمكن تَحقيقُه بِالجلوس وراء جهاز المَعلوماتيَّة والبحث عن جُزيئيَّات المَعرفة والقُدرة والمهارة، في عصرٍ بات مطلوب العمل فيه على إِعداد نشءٍ يتحلَّى بِالتَّربية الشَّاملة، لأَنَّ "بْروفايْل" المُتعلِّم ينبغي أَنْ تُؤشِّر إِلى ولادة مواطنٍ صالحٍ، يُدرك أَنَّ لَدَيه مسؤوليَّة اجتماعيَّة ووطنيَّة، اعتاد على التَّمرُّس بها وهو على مقاعِد الدِّراسة، وأَنَّه كائِنٌ مُفكِّر على الدَّوامِ، في محيطٍ كَثُرَ العَمَلُ فِيه وَقَلَّ العاملون...

وكذلك يأْتي هدفُ نشر ثقافةِ الحِوار والتَّواصل والتَّنشِئة عليهِما على عاتِق المَدرسةِ، وهذا ما هَدَفَت إِليهِ جَمعيَّة "جائزة الأَكاديميَّة العربيَّة" في موسمها الثَّالث السَّنة الماضِية، مع 50 مدرسةً خاصَّةً ورسميَّةً، على امتداد الوطن...

عندها فقط يُمكننا أَنْ نُخرِّجَ جيلاً صانعًا للسَّلام، واثبًا للإِبداع، جاهزًا للتَّحليقِ في عالم الإنسانيَّة الرَّحب!

وكلُّ ذلك لا يكون بِمعزِلٍ عن تعليم المواد، بل يتَداخل معها، وهنا مَكْمَنُ الصُّعوبة. فهل يستطيع أيٌّ كان في المجال التَّربويّ، الإِحاطةَ بِكلِّ هذه الجوانبِ التَّربويَّة المُعقَّدة؟

فيا أَيُّها الأَهلون: اسْأَلوا عن المُربِّي الكَفُوء قبل أَنْ تَسْأَلوا عَن جدران مدرسة أَبْنائِكم والنَّواحي التِّكنولوجيَّةِ فيها...

ويا أَيُّها المُدراء تجنَّبوا الانْزلاق إِلى درك مدارس "أَبو رَخُّوصَة" لأَنَّ في ذلك خسارةً لَكم على المدى الطَّويل.

ويا أَيُّها المربُّون: "حَسْبُكُم اللهُ ونِعْمَ الوَكيل"!