أشار السفير الفرنسي في لبنان ​برونو فوشيه​، حفل استقبال أقامه في قصر الصنوبر، لمناسبة العيد الوطني الفرنسي، إلى "أنّني سعيد جدًّا لاستقبالكم في قصر الصنوبر، وسعادتي هذه مماثلة لسعادة أي سفير فرنسي يحتفي في هذا التاريخ الأكثر رمزية بلا شك من أي تاريخ آخر في روزنامة الجمهورية، بقوّة القيم الّتي يعبّر عنها شعارنا الوطني، وبمتانة العلاقة الّتي تجمع ما بين ​فرنسا​ ولبنان، هذا البلد الصديق والعزيز على قلبها"، منوّهًا إلى أنّ "لسعادتي سبب آخر أيضا، إذ يبدو لي أنّ حصاد العام الماضي كان، على أكثر من صعيد، حصادًا إستثنائيًّا بالنسبة إلى لبنان والعلاقة الفرنسية- اللبنانية".

وركّز على أنّ "في الواقع، لقد تمكّن لبنان في الأشهر الماضية، على الرغم من أنّه يواجه وضعًا إقليميًّا بالغ الهشاشة، من تعزيز استقراره بطريقة مثيرة للإعجاب. على الصعيد الأمني أوّلًا، إن العملية العسكرية الّتي جرت في الصيف الماضي على الحدود في منطقة عرسال، ومن ثمّ العمل المتواصل على كامل الأراضي اللبنانية، الّذي قام به ​الجيش اللبناني​ والأجهزة الأمنية، أتاحا تحرير لبنان من كلّ وجود لتنظيم "داعش" والتوصّل إلى مستوى أمني لم يعهده اللبنانيون منذ وقت طويل"، موضحًا أنّ "على الصعيد السياسي ثانيًا، فقد تواصلت إعادة إطلاق عجلة المؤسسات الّتي بدأت مع انتهاء فترة الشغور الرئاسي، بما فيه خير الديمقراطية اللبنانية، الّتي برهنت عن حيوية كبيرة، بالمقارنة خاصّة مع الوضع الإقليمي".

وبيّن فوشيه "أنّني أقصد بذلك بالطبع، تنظيم ​الإنتخابات النيابية​ ثمّ إجراءها، وهى الأولى من نوعها منذ العام 2009. وقد حيّت فرنسا دور ​وزارة الداخلية​ والقوى الأمنية لتأمين حسن سير العملية الإنتخابية، كما أنّها هنأت رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ على إعادة انتخابه ورئيس حكومة تصريف الأعمال ​سعد الحريري​ على تكليفه تشكيل الحكومة"، مركّزًا على أنّ "الآن فهي تعرب عن أملها في أن تتيح الإستشارات الحالية بسرعة تشكيل حكومة قادرة على العمل بفعالية لكي تؤمن، بالارتباط مع شركاء لبنان، متابعة الإلتزامات المتّخذة في إطار المؤتمرات الدولية الأخيرة، ولكي تقوم بتنفيذ الإصلاحات الّتي ينتظرها اللبنانيون".

ولفت إلى "أنّنا نحيّي بشكل خاص النية، الّتي أعربت عنها السلطات اللبنانية بشأن استئناف الحوار حول استراتيجية الدفاع الوطنية، الّتي يجب أن تندرج في إطار الشرعية الدولية"، معربًا عن سروره بـ"مساهمة فرنسا خلال العام الماضي، في تحسين الوضع في البلاد. هنا أيضًا تمحور عملنا حول السياسة والأمن"، مشيرًا إلى أنّ "على الصعيد السياسي، أكّد العام 2017- 2018 الأهمية الإستثنائية الّتي توليها الدبلوماسية الفرنسية للبنان. كانت الروزنامة حافلة مع زيارة رئيس مجلس الوزراء في شهر آب، وزيارة الدولة الّتي أجراها رئيس الجمهورية في شهر أيلول، من ثمّ في شهر تشرين الثاني، الجهود الّتي بذلتها سلطاتنا على أعلى المستويات لتسهيل التوصّل إلى مخرج من الأزمة، يليها في شهر كانون الأول، تنظيم اجتماع لوزراء المجموعة الدولية لدعم لبنان وتبنّي بيان أكّد على نحو خاص، التمسّك الدولي باستقرار لبنان، وذكر بمقومات الحفاظ على هذا الإستقرار مع التشديد على أهميّة ​سياسة النأي بالنفس​".

وأكّد فوشيه أنّ "في مجال الأمن أيضًا، إنّ حصيلة هذا العام مدعاة فخر واعتزاز. لدى استضافتها مؤتمر "روما-2"، جمعت الحكومة الإيطالية الشركاء كافّة الّذين يعملون من أجل تعزيز الإمكانيات اللبنانية في مجال الأمن. وقد ساهمت فرنسا في هذه الجهود من خلال الإعلان عن فتح خط اعتماد بقيمة 400 مليون يورو، يتيح للبنان الحصول على معدّات عسكرية فرنسية بشروط ميسرة للغاية. ونحن نعمل بدون انقطاع مع محاورينا اللبنانيين ليصل هذا المشروع إلى خواتيمه ضمن أفضل المهل الممكنة، بما فيه مصلحة لبنان وسيادته واستقلاله".

وشدّد على أنّ "الجهود الّتي بذلتها بلادي في روما، ملفتة للنظر، لا سيما أنّها تأتي في سياق شراكة أمنية قديمة. هذه الشراكة ثنائية، من خلال محطات التعاون العملاني مع الجيش والأجهزة الأمنية ومن خلال تقديم المعدّات على شكل هبات، بقيمة حوالى 50 مليون يورو خلال السنوات الأخيرة"، منوّهًا إلى "أنّها أيضًا شراكة متعدّدة الجهات، من خلال حضورنا ضمن إطار "​اليونيفيل​"، وهو حضور قديم يرقى إلى إنشاء هذه القوة عام 1978، كما أنّه حضور وازن بما أنّه يمثّل أهمّ مشاركة فرنسية في عملية حفظ سلام، مع تكلفة صافية تبلغ 60 مليون يورو في السنة. أمّا اجمالي المساهمة الفرنسية في أمن لبنان، قبل مؤتمر روما- 2، فكان يقدر بنصف مليار دولار على فترة خمس سنوات".

وأوضح السفير الفرنسي أنّ "اللوحة الّتي أرسمها لأعبر عن الجهود الّتي يبذلها المجتمع الدولي وفرنسا، لا تكتمل إلّا إذا ذكرت، بعد ​باريس​ وروما، ​بروكسل​، ومن ثمّ باريس مجدّدًا. ففي باريس، في مطلع شهر نيسان، اجتمع شركاء لبنان لإعادة إطلاق عجلة اقتصاده. وهو اقتصاد عانى كثيرًا بالطبع من جرّاء الحرب في ​سوريا​، ولكنّه يعاني في الحقيقة من مشاكل أكثر قدمًا وأكثر عمقًا. وهذه المشاكل هي تلك الّتي تعهّدت ​الحكومة اللبنانية​ بمعالجتها من خلال الإصلاحات الّتي تمّ تأجيلها لمدة طويلة"، مبيّنًا أنّ "من شأن هذه الإصلاحات في المقابل، أن تعزز مناخ الثقة الّذي يحتاج إليه شركاء لبنان للاستثمار فيه. وآفاق هذا الإستثمار على قدر من الأهمية، مع توافر حوالى 11 مليار دولار من ضمنها مبلغ 550 مليون يورو تقدمه فرنسا. إنّه الملف الأكثر إلحاحًا بالنسبة إلى الحكومة المقبلة، لا بل إنّه العامل الّذي يستدعي تشكيل هذه الحكومة من دون تأخير".

وكشف "أنّني تحدثت عن باريس ولكن يجب ذكر بروكسل أيضًا، لأنّ العالم لا يمكنه إشاحة نظره عن التأثير المزعزع للاستقرار بشكل كبير الّذي خلفته الحرب في سوريا منذ سبع سنوات طوال، بالنسبة إلى دول الجوار وعلى نحو خاص بالنسبة إلى التوازنات الدقيقة في لبنان. إنّ هذا الموضوع يحمل في طيّاته الكثير من المخاوف ويولد الكثير من التضليل"، مركّزًا على أنّ "فرنسا، شأنها شأن شركائها، لا ترغب بتوطين ​اللاجئين السوريين​ في لبنان. فهي كاللبنانيين، ترغب بعودتهم إلى بلادهم، فمن دون هذه العودة ستتعرّض هوية لبنان بالذات للتهديد. ولكن لن أخفي عنكم الحقيقة. إنّ سوريا مدمّرة، فهناك أكثر من ستة ملايين لاجئ وحوالى 7 ملايين نازح داخل سوريا، أي ما يمثّل نصف ​الشعب السوري​، و80 بالمئة من ​البنى التحتية​ تمّ تدميرها، أمّا الناتج المحلي الإجمالي فقد انخفض من 60 مليار دولار عام 2010 إلى 12 مليار عام 2016. الآن وقد سقطت درعا، لم تعد منطقة من مناطق خفض التصعيد. إلى أين تذهب سوريا؟ إلى الخراب، من دون أدنى شك".

وذكر فوشيه أنّ "لهذا السبب، تدعو فرنسا الجهات الموجودة في سوريا إلى العمل للتوصّل إلى حلّ سياسي، ولهذا السبب أيضًا تدين فرنسا إصدار سوريا القانون رقم 10 المتعلق بالاستملاك، وهو قانون يعيق عودة اللاجئين. بانتظار أن يتمّ تأمين شروط العودة الشاملة، تواصل فرنسا دعمها لجهود المجتمع الدولي. وضمن هذه الروحية، أعلنت في بروكسل عن مساهمة مالية لصالح الشعب السوري والمجتمعات المضيفة، بقيمة مليار يورو على الفترة الممتدة بين عامي 2018 و2020".

وبيّن "أنّني أسمع الكثير ممّا يُقال عن عودة فرنسية إلى لبنان. أنا لا أوافق على هذا التحليل. صحيح أن بلادي قامت بالكثير من أجل لبنان في الماضي القريب، ولكنّي أعتقد أشدّ الاعتقاد أنّها بقيامها بذلك، أظهرت وفاءها الدائم لصداقتها التاريخية اتجاه لبنان وللروابط العديدة والمتنوعة الّتي تجمع ما بين اللبنانيين والفرنسيين. وأنا لا أنسى مطلقًا أنّ هذه الصداقة الإستثنائية على صعيد العالم والتاريخ، وإن كانت تتجذّر في المجالات الّتي ذكرتها أي السياسة والأمن والاقتصاد، إلّا أنّها تستمدّ قوّتها أوّلًا من العلاقات الإنسانية العميقة والقديمة بين الشعبين في بلدينا، أي من وئام هو وئام ثقافي قبل كل شيء".

وقد شارك فيه إضافة إلى طاقم السفارة وممثلة الفرنسيين في الخارج النائب أماليل لاكرافي، ممثل رئيس الجمهورية ميشال عون وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي، ممثّل رئيس مجلس النواب نبيه بري الدكتور محمود بري، ممثّل رئيس حكومة تصريف الأعمال المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال غطاس الخوري، رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل، رئيس مجلس النواب حسين الحسيني، والعديد من الشخصيات السياسية والسفراء والقيادات الشخصيات الدينية والأمنية والقضائية والإعلامية والإجتماعية.