ثمَّة من راهن بعد انتهاء الرئيس المكلف ​سعد الحريري​ استشاراته النيابية بأن ولادة الحكومة لن تستغرق أكثر من أسبوعين على أبعد تقدير، غير أن الرياح كانت على عكس ما كانت تشتهي سفن هؤلاء، حيث سرعان ما برزت عقد ومطبات لم تكن في الحسبان، وبدأت هذه العقد تتفاقم يوماً بعد يوم إلى أن وصلت إلى حدّ بات فيها كل معني بالتأليف حائراً في أمره عاجزاً عن فكفكة أي عقدة من العقد التي أصبحت مترابطة بعضها ببعض وبحاجة إلى حل كامل متكامل، والأجواء الحالية غير ملائمة للتوصل إلى هذا الحل. الصورة الحكومية حتى هذه اللحظة سوداوية، وإن محاولة ضخ جرعات تفاؤلية بين الفينة والفينة لم تعد يجدي لا بل لم تعد تنطلي على أحد، كون أن الجميع بات على دراية تامة بأن الألغام الموجودة في طريق التأليف لا أحد قادر على نزع صواعقها وبالتالي فإن الجميع يحاذر الاقتراب منها مما يجعل موضوع التأليف يتأخر يوماً بعد يوم.

صحيح أن هناك عملاً حثيثاً من قبل الرئيس المكلف لتأليف الحكومة في غضون أسبوعين على أبعد تقدير، غير أن المناخات السياسية الموجودة تشي بأن بلوغ هذا الهدف يعترضه الكثير من الصعاب، خصوصاً وأن الحرارة ما تزال باردة على خط بيت الوسط- ​التيار الوطني الحر​، إذ كان من المفترض أن يعقب اللقاء الذي جمع الرئيس الحريري مع رئيس ​القوات اللبنانية​ ​سمير جعجع​ الأسبوع الفائت لقاء مماثل بين الحريري ووزير الخارجية ​جبران باسيل​، إلا أن هذا اللقاء لم يحصل كون أن ظروف النجاح في الوصول إلى تسوية لحل العقدة المسيحية - المسيحية لم تتوافر بعد، وأن أي لقاء على هذا المستوى من دون تحقيق تقدّم على هذا المستوى سيزيد الطين بلة ويعقد الأمور أكثر فأكثر، سيما وأن الوزير باسيل ما زال يُصرّ على أن حصة «القوات» في الحكومة المقبلة لن تكون أكثر من ثلاثة حقائب في حين أن جعجع أبلغ الحريري في لقاء بيت الوسط الأخير بأنه يرضى بأربعة حقائب من دون موقع نيابة رئاسة الحكومة.

وإذا كانت العقدة الأساس التي تعيق تأليف الحكومة هي العقد المسيحية كما يُجمع على وصفها مختلف المعنيين بهذا الاستحقاق، فإن العقدة الدرزية لا تقل أهمية من عقدة «التيار» و«القوات» بحيث أن ما يعتبره محيط النائب السابق ​وليد جنبلاط​ تدخلاً عونياً بالشأن الدرزي يُفاقم هذه الأزمة ويجعلها عصية على الحل، بحيث أن زعيم ​المختارة​ حسم أمره لجهة رفض أي تفاوض على المقاعد الدرزية لجهة مشاركته أحد فيها وهو كان واضحاً وصريحاً مع رئيس الجمهورية في لقائه معه الاثنين الماضي بأنه هو من يسمي الوزراء الدروز وفق النتائج التي أفضت إليها ​الانتخابات النيابية​.

وإذا كانت هذه هي العقد الضاهرية التي يتحدث عنها كل من يعمل في سبيل ولادة الحكومة فإن هناك من يذهب إلى الاعتقاد بأن هناك قطبة مخفية تعيق عملية التأليف، وعندما يُسأل هؤلاء عن طبيعة هذه القطبة يقفون حائرون في الإجابة لأنهم لا يملكون معطيات كافية حول هذا الموضوع وسرعان ما يرمون بالكرة على العامل الخارجي الذي يعتقدون بأنه عامل مؤثر في أي استحقاق لبناني من أي نوع كان.

وتؤكد مصادر سياسية عليمة بأن موضوع تأليف الحكومة حتى هذه الساعة لم يغادر المربع الأوّل وأن الأجواء المرافقة لعملية التشاور والتفاوض باتت تبعث على القلق من إمكانية أن يطول أمد التأليف وبالتالي بأن ذلك سينعكس سلباً على الكثير من الملفات لا سيما النقدية منها والاقتصادية بالرغم من التطمينات التي تطلق من هنا وهناك، فالجميع يُدرك أن هناك مؤتمرات دولية عقدت لأجل لبنان، ونتائج هذه المؤتمرات تحتاج إلى حكومة فعلية لتسييل هذه النتائج خصوصاً على مستوى تعزيز الوضع الاقتصادي والمالي الذي وصل على حدّ تعبير الرئيس نبيه برّي إلى حافة الهاوية.

وفي اعتقاد هذه المصادر أن عدم زيارة الرئيس المكلف ​قصر بعبدا​ بعد عودته من الخارج يعود إلى كون أن الرئيس الحريري لا يريد الصعود إلى ​القصر الجمهوري​ ما لم يكن بحوزته صيغة حكومية جديدة قابلة للنقاش أو أقله ما لم يكن محصناً بمعطيات تؤكد بأن بلوغ هذا التأليف بات قريباً.

ولا تستبعد هذه المصادر أن يلتقي الرئيس الحريري الوزير جبران باسيل في وقت قريب وفي ضوء ما سيخرج عنه هذا اللقاء يُقرّر الرئيس المكلف ما إذا كانت الساعة قد حانت لكي يحمل تحت إبطه مسودة تأليف الحكومة لمناقشتها مع رئيس الجمهورية أم لا.

وتبدي المصادر ارتياحها لدعوة الرئيس برّي إلى عقد جلسة لاستكمال المطبخ التشريعي من خلال انتخاب اللجان النيابية والرؤساء والمقررين كون أن هذه الخطوة تعد لدى رئيس المجلس من باب البحث عن الإسراع في التأليف، وبالتأكيد فإن وجود مختلف الأفرقاء في البرلمان كان مناسبة لعقد اجتماعات جانبية لبحث الملف الحكومي الذي بات تأخر إنجازه يقلق الجميع.