على ضوء التصعيد المستمر في العلاقة بين ​الولايات المتحدة الأميركية​ والجمهورية الإسلامية ال​إيران​ية، برزت على المستوى العالمي "حرب المضائق"، التي بدأت مع تهديد ​طهران​ بإغلاق ​مضيق هرمز​، في حال فرضت ​واشنطن​ عقوبات على قطاع ​النفط​ الإيراني، لتصل إلى حد إعلان المملكة العربية ​السعودية​ تعليق شحناتها من النفط عبر مضيق ​باب المندب​، في قرار مفاجئ أربك أسواق الطاقة العالمية وتسبب في ارتفاع أسعار النفط الخام، على خلفية إتهامها حركة "أنصارالله" ​اليمن​يّة بإستهداف ناقلتي نفط سعوديتين، في حين أكدت الحركة أن ما استهدفته هو بارجة عسكريّة تحمل اسم "دمام"، والأمر نفسه ينطبق على الكويت،التي أعلنت عن اتجاهها نحو وقف صادراتها عبر هذا المضيق أيضاً.

على هذا الصعيد، يكتسب باب المندب أهمية بالغة، نظراً لإختصاره مسافة إمدادات التجارة العالمية بين شرق الكرة الأرضية وغربها، مروراً ب​قناة السويس​ المصريّة،حيث تمر 25 ألف سفينة محملة بشتى أنواع البضائع سنوياً من باب المندب، وفي حال إغلاقه سترتفع كلفة ​الصادرات​، إذ ستضطر ​السفن​ لسلوك طريق رأس الرجاء الصالح لنقل البضائع بين الشرق والغرب.

على المستوى السياسي، لدى حركة "​أنصار الله​" وجهة نظر لما قامت به ​الرياض​ بعد إستهداف البارجة العسكرية، حيث تعتبر أن الإتهام السعودي لها بإستهداف ناقلتي نفط هدفه القول أن الحركة باتت تهدد الملاحة الدولية، ما يعني جر الدول الغربيّة إلى المزيد من التدخل في الحرب التي فشلت في حسمها حتى الساعة، الأمر الذي تردده منذ البداية، وبالتالي إمدادات النفط باتت في خطر، ويشير الكاتب والمحلل السياسي اليمني حميد رزق، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن السعودية لا تملك القدرة على الإعتراف بأن ما تم إستهدافه هو بارجة حربيّة، لأن هذا الأمر يمثل هزيمة كبيرة لها من الناحية العسكرية، كما أنه يسقط الذريعة السياسية التي ترفعها، كون الإستهداف هنا مشروع، على إعتبار أنه عسكري.

من وجهة نظر رزق، الإتهامات التي توجهها السعودية إلى "أنصار الله" لن تبدل من المعادلة القائمة، لا سيما أن الدول الغربيّة لم توفر السبل لدعمها مع ​الإمارات العربية المتحدة​ في هذه الحرب، متسائلاً: "هل يتصور أحد أن الولايات المتحدة الأميركية ستأتي بجيشها لإحتلال اليمن"؟، متوقعاً أن يؤدي إستهداف البارجة و​مطار أبو ظبي​ إلى التعجيل في الحلّ السياسيّ لا العكس، نظراً إلى أن الحركة تزداد قوة في الحرب، ما يعني العمل على قاعدة: "اشتدّي يا أزمة تنفرجي"، نظراً إلى أن العديد من القوى العالميّة لن تقبل في إرتفاع أسعار النفط من جديد، نتيجة تعليق الرياض، وربما بعض ​الدول الخليجية​ الأخرى المتضامنة معها، لصادراتها.

في هذا الإطار، يفضل رئيس "مجموعة البراكسبتروليوم" الدكتور جورج براكس، في حديث لـ"النشرة"، التريّث بعض الوقت لمعرفة تداعيات ما يحصل على هذا الصعيد، لا سيما أن الأسواق النفطيّة كانت قد شهدت أكثر من سيناريو في الفترة الأخيرة، موضحاً أنه بعد إعلان الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ خروجه من الإتفاق النووي مع إيران إرتفعت الأسعار، لكن بعد تأكيد الدول الأوروبية تمسكها بهذا الإتفاق عادت إلى الإنخفاض من جديد، مذكراً بأن ترامب نفسه كان قد أعلن أن المطلوب هو أن تبقى الأسعار منخفضة لتأمين رفع مستوى النمو الإقتصادي في الدول الصناعية.

ويوضح براكس أن ما حصل في اليومين الماضيين، بالنسبة إلى الموقف السعودي، لا يزال تصريحاً ولم يتحوّل إلى قرار موضع التنفيذ، وبالتالي هو يرجح أن تبقى أسعار النفط العالمية مستقرة، لكنه يحذر من أن إغلاق باب المندب سيكون له تداعيات كبيرة جداً على الأسعار، ربما يؤدي إلى نشوب حرب كبرى، لا سيما أنه يعني قطع الطريق أمام الصادرات النفطية، مميزاً بين قرار سعودي في تعليق صادراتها عبر هذا المضيق وبين إغلاقه بشكل كامل.

في المحصلة، دخلت الأزمة الأميركية-الإيرانية، بالتوازي مع تلك السعودية الإيرانية، مرحلة جديدة مع دخول الممرات المائية على خط المواجهة، فهل تكون هي بداية معركة أوسع أم إستدعاء لحل سياسي يقوم على أساس إبرام تسوية ما؟.