يبدو أن ​أكراد سوريا​ اقتنعوا مؤخرا بسقوط حلمهم الكبير بالفدرالية التي أعلنوها قبلنحوعامينفيمنطقة "روجآفا"، فاتجهوا الى النظام السوري لتحصيل "اللامركزية" قبل فوات الأوان وعقد اتفاق دولي جديد يأتي على حسابهم ويعيدهم الى ما كانوا عليه قبل العام 2011، رغم كل قدموه وقاموا به على مرّ السنوات الـ7 الماضية للانتقال الى نظام يقوم على الحكم الذاتي. إلاّ أن تسارع التطورات السوريّة وسيطرة ​الجيش السوري​ وحلفائه على القسم الأكبر من المنطقة الجنوبيّة واستعدادهم للتوجه الى ادلب، وهي المحافظة الأخيرة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، جعل القوات الكرديّة تستشعر الخطر بعد اقرار الجميع بتسليم واشنطن القرار في سوريا لموسكو، وهو ما تجلّى بوضوح في القمّة الأخيرة التي جمعت الرئيسين الاميركي ​دونالد ترامب​ والروسي فلاديمير بوتين.ويُدرك أكراد سوريا أن الولايات المتحدة الأميركية التي قدمت لهم كل الدعم اللازم سواء العسكري أو السياسي أو المعنوي طوال المرحلة الماضية، ستتخلى عنهم في أيّ لحظة تماما كما فعلت في ​عفرين​، لذلك ارتأوا استباق ما يُحكى عن انسحاب أميركي وشيك من سوريا والتوجّه لمفاوضة النظام السوري من موقع قوّة سعيا لتحصيل أعلى قدر ممكن من المطالب.

وبدا واضحا خلال الاجتماع الذي عقده وفد مجلس سوريا الديمقراطية، وهو ​الجناح​ السياسي لـ"قوات سوريا الديمقراطية" مع ممثلين عن النظام في دمشق، وجود اختلاف كبير في وجهات النظر بين الطرفين. ففيما تسعى الحكومة السوريّة للعودة سريعا الى المنطقة الواقعة شرق الفرات وبخاصة الى المعابر ومن بعدها الى المقرات الحكومية، يضع ​الأكراد​ أولوية واضحة لحراكهم لجهة سعيهم لانتزاع تعهّد باعتماد اللامركزية في سوريا الجديدة وأقلّه في المناطق حيث الغالبية الكرديّة.

ويسيطر الأكراد حاليا على نحو 30% من الأراضي السورية الغنيّة بآبار النفط والغاز، مقابل سيطرة النظام على أكثر من 60% من مجمل سوريا. وبالرغم من تلويح الرئيس السوري ​بشار الاسد​ بامكانية اعتماد الحل العسكري لاستعادة أي جزء من الأراضي السوريّة، الا ان أحدا لم يتعاطَ يوما بجديّة مع سيناريو مماثل، مع تجنّب الفريقين طوال الأعوام الماضية المواجهة المباشرة، حتى أن فصائل معارضة لطالما اتهمت القوات الكردية بالتنسيق والتعاون مع ​الحكومة السورية​.

وتعتبر مصادر قيادية كردية أن التوصل لاتفاق مع النظام ممكن "في حال اقتنع بثابتة أساسية أن الأمور لن تعود كما كانت عليه ما قبل العام 2011، وفي حال لم يروج لانتصاره مقابل الانكسار الكردي"، مؤكدة وجود رغبة جديّة من قبل "مجلس سوريا الديمقراطية" كما ارادة شعبية بالتوصل الى حلّ وتسوية مستدامة سواء في المنطقة الواقعة شرق الفرات أو سوريا ككل، مضيفة:"اذا كان النظام من جهته جادا وفي حال وجود ارادة روسيّة، فان الأطراف الدولية لن تمانع التوصل لهكذا اتفاق، ولا شك ستدعمه".

بالمحصّلة، يبدو واضحا أن الحراك الكردي باتجاه دمشق أبعد من جسّ النبض، ومن غير المستبعد أن يكون جزءا من التفاهمات الأميركية–الروسية الأخيرة التي أقرّتها قمّة هلسنكي، على أن يتّضح قريبا وبعد تشكيل لجان "لتطوير المفاوضات ووضع خريطة طريق للحل"، ما اذا كان عودة الحكومة السوريّة الى شرق الفرات قريبة أو تحتاج مزيدا من الوقت.