للمرة الاولى منذ سنوات، ينعم ​الجيش اللبناني​ بعيده دون ان يقلق على سلامة عناصره لاستهدافهم من الارهابيين ان عبر عمليات امنية جبانة، او عبر عمليات عسكرية يخوضها الجيش من اجل تحرير اراض لبنانية سيطر عليها ارهابيون وزرعوا الخوف والموت في نفوس الاهالي وفي البلد بأسره.

يدين الجيش بإنجازه هذا لنفسه، فهو جنى ثمر ما زرعه من شرف وتضحية ووفاء على الاراضي اللبنانية كافة، ولم يسقط شهداؤه بشكل مجاني، وها هو اليوم يعيد لهم ولهيبته وللبنان الصورة الحقيقية التي لطالما عُرف بها على مدى عقود من الزمن، وجعلته الخيار الاول للبنانيين وغيرهم، دون منازع.

بعد ثمانٍ واربعين ساعة، يحتفل الجيش بتخريج دفعة من ضباطه من ​المدرسة الحربية​ في احتفال تقليدي برئاسة رئيس الجمهورية، اختاروا اسماً لدورتهم هو "​فجر الجرود​" تخليداً لذكرى الشهداء الذين سقطوا في هذه العملية التي حررت لبنان من مخططات "داعش" لاطلاق امارته التي اعلن عنها في اكثر من مناسبة. هذه العمليّة زادت من اهمية الجيش في نظر اللبنانيين والدول الغربيّة، واظهر انه قادر على القيام بالكثير اذا ما تأمّن له القليل فقط، كما ان عناصره اظهروا كفاءة عالية من خلال قدرتهم على التحكم ببعض الآلات الحربية التي تسلموها حديثاً، واعتادوا على التعامل معها بسرعة قياسية وباحترافية عالية.

ان فجر الجرود مهّد الطريق لاطلاق فجر الجيش عبر اخراجه من النفق المظلم الذي غرق فيه منذ سنوات، عبر حرمانه من الاسلحة والمساعدات التي تسمح له بإظهار معدنه الحقيقي، وربما وللسخرية، كان لا بد للارهاب ان يطل برأسه كي يدرك العالم قوة الجيش اللبناني وبسالته وتنظيمه واصراره على المواجهة، مهما كانت الامكانات ومهما تواضعت المعدات العسكرية التي بحوزته.

فجر الجيش هو الممر الاساسي لاطلاق فجر لبنان، فعلى الرغم من الخلاف السياسي القائم بين الدول، الا انها اتفقت كلها على وجوب دعم الجيش، ولم تعترض اي دولة على هذا الامر لان كل السلطات العربية والاجنبية ان بقاء الجيش اساس لبقاء لبنان، وهذا كلام بعيد عن الشاعرية وعن العاطفة، واقرب ما يكون الى الواقع. ولكن، في مقابل حماس الجميع لبقاء الجيش واحترام دوره، لا يزال "الفيتو" الموضوع على نوعية معيّنة من الاسلحة قائم، ولا يبدو ان هناك اي مؤشر قريب الامد في رفع هذا "الحظر" تحت ستار عدم الاخلال بميزان القوى في المنطقة، وهي ذريعة باتت غير مقنعة حتى بالنسبة الى من اطلقها.

وللتذكير فقط، لا يزال امام الجيش اللبناني مهمات غاية في الاهمية والخطورة، وفي مقدمها التعامل مع الخلايا النائمة من الارهابيين الذين اثبتوا انهم خطر كبير على الدول التي تغلغلوا فيها. ولا يمكن اهمال المشاكل الامنية التي تحيط بالمخيمات الفلسطينية التي عجز الفلسطينيون انفسهم عن حلّها، وما يمكن ان تشكله من عامل عدم استقرار في لبنان، ناهيك عن مشكلة النازحين السوريين والخطرالامني المتنقل الذي يشكلونه، اضافة الى مسألة التنسيق الامني الدقيق مع "اليونيفيل" على الحدود الجنوبية للبنان، بحيث ان أي خلل قد يتسبب بتدهور الاوضاع بسرعة.

هنيئاً للجيش في عيده، ولكننا نعلم تماماً انه لن يهنأ في الراحة، فعينه ستبقى ساهرة على امن لبنان واللبنانيين، وهو سيكون، كما دائماً الملجأ لانقاذ لبنان، مهما تعددت المشاكل وتنوّعت الازمات، اما العزاء فيكون في عدم السماح لاحد بالتعرض للمؤسسة العسكرية أكان يتمتع بالحصانة ام لا، لأنّ الخلل الاداري يمكن معالجته عبر المؤسسات، والاخطاء التي يمكن ان تحصل في الجيش كما في اي مؤسسة او ادارة اخرى، لا خوف عليها لان النية موجودة اصلاً في معالجتها وهو ما تم اثباته في اكثر من مناسبة.

على امل ان يكون نعيّد معاً فجر لبنان من خلال جيشه.