لم تعد عُقد التأليف الحكومي مستورة. تُلخّص بعقدتين أساسيّتين: تقدّمية، وقواتية. الفريقان رفعا سقف المطالب. ما إستدعى إستغراب قوى سياسيّة رأت في مواقف الفريقين المذكورين، حدةً وتصعيداً يفوق ما يتطلّبه التفاوض الحكومي، الى مستوى سياسي بات يفرض التساؤل: هل يريدان منع تأليف الحكومة، من خلال طلب المستحيل؟ وهل ينفّذان طلباً خارجياً، لإفشال عهد رئيس الجمهورية ​ميشال عون​؟.

الشكوك تتزايد عند خصوم، وحلفاء الفريقين، جرّاء تصرّف رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​، ورئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" ​وليد جنبلاط​، الى حدٍّ يقارب اليقين في صفوف التيار "الوطني الحر" أن جعجع-جنبلاط ينفّذان أجندة خارجية لضرب العهد، بدليل تغريدة رئيس "التقدمي" التي صوّبت على العهد مباشرة، ويستكملها جنبلاط بالتهجّم المتواصل على وزراء "الوطني الحر"، ومطالبته بالحصول على الحقائب الدرزيّة الثلاث في الحكومة، رغم حيازة الحزبين "​الديمقراطي اللبناني​" و"التوحيد العربي" نسبة اصوات مرتفعة في ​الانتخابات النيابية​ الاخيرة، تُسقط إحتكار جنبلاط للتمثيل الدرزي.

أمّا الإصرار القوّاتي على حقائب أربع، ومن ضمنها واحدة سياديّة، فيتلاقى ايضاً مع موقف جنبلاط، ليشكلا معاً معادلة ج-ج، التي تمنع تأليف الحكومة، وتستهدف العهد. هذا ما يقوله "عونيون".

وفيما لم تتضح الأبعاد الخارجيّة للسقوف القواتيّة والتقدميّة العالية، يقف رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ عاجزاً عن فعل شيء. لا يستطيع المضي في التأليف من دون الفريقين المذكورين، لأسباب سياسيّة داخليّة، قائمة على أساس الحلف التقليدي معهما، بالمفرق، او بالجملة، ولأسباب خارجيّة، اساسُها عدم قدرته على إغضاب السعوديّة. فالمملكة تعتبر جعجع حليفها الرئيسي الذي يواجه "​حزب الله​" في لبنان. كما ترى الرياض في جنبلاط، ركناً لبنانياً، يواجه عودة النفوذ السوري الى لبنان، ويصدّ حلفاء دمشق في الساحة الدرزية.

لذلك، لا يستطيع الحريري تأليف حكومة من دون رضى الرياض. وقد يأتي رفض رئيس الحكومة المكلّف تشكيل حكومة أكثرية، في هذا السياق، لعلمه أن تلك الحكومة هي إستبعاد جعجع-جنبلاط عنها، ما يوحي للغرب والعرب حينها، بأنها حكومة "8 آذار" مع "المستقبل"، رغم إستعداد حزب "الكتائب" للمشاركة في الحكومة عندها، على حساب "القوات"، كما فعل الكتائبيون في الحكومة التي سبقت الحاليّة، والتي تصرّف الأعمال الآن.

لا يودّ الحريري بقاء الجمود قائماً، إلى امدٍ طويل، لكن، لا يبدو أن في يده حيلة، فيقف حائراً بين امرين: مصلحته بتأليف حكومة، وخشيته وعدم قدرته على ترك حليفيه. وفق هذا الأساس، يصبح السؤال قائماً: على ماذا يراهن الحريري، للخروج من دوّامة الأزمة الحالية؟.

قد يعتمد رئيس الحكومة المكلّف على الوقت. لكن المطّلعين يقولون إن الوقت لم يعد لصالحه، مع توالي المستجدّات الإقليمية والدولية التي توحي بتراجع نفوذ ​السعودية​، وتقدّم مشاريع التسويات مع ​إيران​ و​سوريا​.

فهل نصل الى حد إعتذار الحريري وتنحّيه عن مهام التأليف؟ إذا كانت الاغلبية السياسيّة تستبعد هذا الطرح، فإن هناك من يرى الفكرة واردة في حال بقيت المراوحة سائدة. عندها إمّا سيُعاد تكليف الحريري، وإمّا سيُصار الى تكليف آخر.

في السيناريو الأول، فلنفترض ان كتلة "المستقبل" أعادت تسمية الحريري، ومعها "القوات" و"التقدمي" و"الكتائب"، و"العزم"، فإنّ الحريري لن يصل الى جمع الأغلبية النيابية، لكن اصوات كتلة "التنمية والتحرير" التي يرأسها رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ قادرة على حسم الموقف عندها بتسميته، من عدمه. الأمر ليس محسوماً، وسيكون منسّقاً بين بري و"حزب الله" و"​المردة​".

في كل الحالات، لن يُقدم الحريري على التنحّي، إلاّ في حال تغيرت موازين القوى الداخلية والاقليميّة، وبات معها امر رئاسته للحكومة امراً مستحيلاً. هو متضرر الآن، لكن بالنسبة الى ج-ج، فإن المتضرر الأول هو العهد، نتيجة الفراغ الحكومي الأصيل الذي تحتاج البلاد لملئه، وبتّ امور مالية، وتعهدات دولية، وتثبيت الإستقرار السياسي.