في العام 1895 افتتحت شركة "الخطوط الحديدية العثمانية الاقتصادية من بيروت، دمشق، حوران وبيره جك"، أول خطّ لسكة الحديد يربط بيروت بالشام، وفي العام 1942، أنشأ البريطانيون خط الناقورة بيروت طرابلس لنقل الجيوش خلال الحرب العالمية الثانية، وتوقف العمل به عام 1948 بعد ضربه من قبل الاسرائيليين. في العام 1956 استردت ​الدولة اللبنانية​ خطوط سكك الحديد التي تصل بيروت بدمشق، وطرابلس بحمص، من الشركة الفرنسية.

أصبح للبنان سككا حديدية وقطارات، لذلك كان لا بد من إنشاء مؤسسة تُعنى بشؤون هذا القطاع، فأنشأت "مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك" في العام 1961. استلمت المصلحة عملها وأتقنته حتى عام 1975 تاريخ اندلاع الحرب في لبنان وبدء توقف كل شي عن العمل والتقدم، بشكل تدريجي، ليأتي الاسرائيلي ويستكمل إنهاء هذا القطاع، ليتوقف في العام 1994 نهائيا عن نقل البضائع.

توقف القطار وبقيت مصلحة "سكك الحديد والنقل المشترك"، حتى يومنا هذا، وفي كل مرة يُطرح امرا خاصا بهذه المصلحة يعبّر اللبنانيون عن استيائهم من وضعها، معتبرين أنها تشكل مغارة ذهب لمن يُوظّف بها كونه يقبض من دون ان يكون لديه أي عمل. في الساعات الماضية انتشر إعلان ينص على نية المصلحة إجراء مناقصة عمومية لتقديم محروقات سائلة ديزل أويل أخضر عند الساعة العاشرة من يوم الثلاثاء في 28 آب 2018، وطلبت المصلحة في الإعلان الموقّع من رئيس مجلس الإدارة المدير العام زياد نصر من الراغبين بالاشتراك في المناقصة العمومية الحصول على نسخة من دفتر الشروط من قلم اللوازم مقابل مبلغ 150 ألف ليرة، مشترطة أن تسلّم العروض باليد إلى أمانة سرّ المصلحة الكائنة في المحطّة المذكورة، وذلك قبل الساعة الثانية عشرة من آخر يوم عمل يسبق التاريخ المحدّد لإجراء المناقصة ويهمل حكماً، كلّ عرض يرسل بغير هذه الطريقة أو يصل بعد انتهاء المهلة.

نال الإعلان كفايته من السخرية، ليتضح بعدها أن المناقصة مخصصة لتسيير باصات ​النقل العام​. في التفاصيل بحسب مصادر ​مصلحة سكك الحديد​ والنقل المشترك أن ما لا يعرفه أغلبية اللبنانيين هو أن المصلحة تنقسم الى مديريتين، الاولى هي مديرية النقل العام والثانية هي مديرية سكك الحديد، مشيرة عبر "النشرة"، الى أن الاولى هي التي تضم الموظفين اليوم مع ان عدد الاداريين فيها لا يصلون الى 20، بينما فيها عدد من الموظفين الفنيين، ولا تضم مديرية سكك الحديد أكثر من 10 موظفين يتم الاستفادة من عملهم في مديرية النقل المشترك.

وتضيف المصادر: "غالبا ما يتهكّم اللبنانيون على هذه المصلحة ولكن هل يعلم المعنيون بأن مديرية النقل المشترك تملك 45 باصا للنقل ولكنها غير قادرة على تشغيل سوى 25 بسبب النقص الذي تعانيه من السائقين، وهل يعلمون بأن المصلحة تطلب إطلاق مناقصات لشراء باصات جديدة ولا أحد ينفّذ، وهي لديها مشاريع كثيرة لتطوير النقل المشترك ولا أحد يستجيب، وهل يعلم هؤلاء أن المصلحة اضطرت منذ أسابيع لتوقيف أحد خطوط عملها لان السائق بلغ السن القانوني ولا يوجد بديلا عنه"؟، مشيرة الى أن المطلوب من المسؤولين إيلاء هذا القاطع الأهمية المطلوبة لا البحث عن كيفية الامعان في قتله لأجل "عيون" الشركات الخاصة التي تسعى للانقضاض على ​قطاع النقل​ المشترك.

بالمقابل قد يكون مستغربا اقتناع اللبنانيين بأن المصلحة المذكورة تقوم بمهام فعّالة ومفيدة، اذ أن سكك الحديد أصبحت مكانا للتصوير واكتشاف أنواع جديدة من الحشائش، والنقل المشترك لا يُشاهد أصلا في الطرقات. وفي هذا السياق يؤكد رئيس ​لجنة الأشغال العامة​ والنقل السابق ​محمد قباني​ أن لا قرارَ حاسما بتشغيل القطارات في لبنان خلال مدة زمنية قريبة، كاشفا أن التوجه على المدى القريب هو لاطلاق باصات سريعة على خط بيروت شارل حلو-طبرجا تسير على خط خاص مغلق.

ويضيف قباني في حديث لـ"النشرة": "انا لست ضد بقاء المصلحة، ولكن يجب مراقبة ميزانيتها لتكون مصاريفها مناسبة للعمل الذي تقوم به، لكي تكون جاهزة لمعاودة عملها السابق فور العودة لفكرة تسيير القطارات". وعن اتهام مصادر المصلحة للسياسيين بقتلها لاجل ​الخصخصة​، يؤكد قباني أنه من انصار الخصخصة في النقل العام.

لا ينبغي إبقاء المصلحة على حالها ولو أن المبالغات التي تنتشر كل فترة عن موظفيها ورواتبهم ليست صحيحة، كذلك لا يمكن وضع فساد الدولة اللبنانية فيها، فلم لا يلجأ ​مجلس الوزراء​ بداية الى تغيير إسم المصلحة وتحديد وظيفتها، ليتم بعدها الاستغناء عمّن لا يعملون، ويتم توظيف من تحتاج اليه لتطوير عملها؟!..