في بلد كإيران يقوم على مبدأ فصل السلطات لا يمكن إخفاء الأزمات، فعندما يقوم المجلس النيابي بدوره الرقابي لا تستطيع الحكومة التهرّب من أعمالها، وبالتالي يكون عزل الوزراء من الامور العاديّة في حال الفشل. لم يعد الحديث عن تأثير حرب العقوبات على إيران مجرد تحليل، فالوقائع أصبحت كثيرة.

وزيران ايرانيان حتى الان وقعا ضحية الحرب الاقتصادية الاميركية على بلادهما، العمل والاقتصاد، فبعد إقالة وزير العمل أوائل آب، قرر ​البرلمان الإيراني​ حجب الثقة عن وزير الاقتصاد مسعود كرباسيان إثر التراجع الحاد في قيمة العملة المحليّة، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية في البلاد بسبب ​العقوبات الأميركية​، مع بروز معلومات عن نيّة البرلمان استجواب وزير التربية والتعليم أيضا، الامر الذي يشكّل ضغطا كبيرا اضافيًّا على حكومة الرئيس الايراني ​حسن روحاني​ الذي يعاني بدوره من أزمة ثقة.

لم يستطع روحاني، خلال جلسة استجوابه في البرلمان، إقناع النواب بالتدابير المتخذة من قبل حكومته لحلّ مشكلة: البطالة، انخفاض سعر صرف العملة الايرانية، السيطرة على التهريب، والسبب في الركود الاقتصادي الممتدّ منذ أعوام رغم الوعود والإعلان عن تجاوزه. ولعل من أبرز ما كشفته جلسة الاستجواب هو ما قاله روحاني نفسه بأن قسما من الشعب الايراني فقد الثقة بالجمهورية الاسلامية بسبب العقوبات الأميركيّة.

إن هذا الواقع الذي وصلت إليه الجمهوريّة الاسلاميّة قد يرتد سلبا على ​الولايات المتحدة الأميركية​، لأن ازدياد الضغوطات على روحاني قد يؤدّي لارتفاع قوة المحافظين في إيران على حساب المعتدلين، خصوصا وأن الشعب الايراني بدأ يشعر بالتململ إن لم يكن أكثر من حكومة روحاني وما يمثله من خط معتدل.

لا شك بأن المحافظين كانوا اكثر الرابحين من خروج الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ من ​الاتفاق النووي​، فهو بالنسبة لهم يمثل "الضرر الأكبر"، اذ يعتبرون أن الجلوس على طاولة التفاوض مع واشنطن أعطاها الشرعية "المرفوضة" من قبلهم، كذلك يحاولون التأثير على موقف المرشد الاعلى للجمهورية الايرانية السيد علي خامنئي من الانفتاح على الغرب، اذ يعتبرون أن الدعم الذي قدمه خامنئي لروحاني لتنفيذ السياسات الخارجية لم يكن في مكانه، وكان من الأفضل لو بقي خامنئي على موقفه المتشدد تجاه التفاوض مع واشنطن.

يحظى المحافظون بالأغلبية في البرلمان الايراني، وكان روحاني يملك تعاطف مساحة واسعة من الشعب، الا أن خروج الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي شكّل ضربة موجعة للرئيس الايراني، كما ان عودة العقوبات الأميركية المنهكة للاقتصاد تكاد تكون الضربة القاضية له بسبب فقدان ثقة الشعب الايراني به، لذلك يجد المحافظون أن الفرصة سانحة امامهم اليوم لإحراج روحاني بغية إخراجه، رغم علمهم بأن الأخير سيصر على استكمال ولايته حتى عام 2021، ولكن ما يعوّلون عليه هو العودة للحكم من بوابة رئاسة الجمهورية المقبلة.

اما سبب القول بأن في الأمر خسارة للولايات المتحدة الأميركية فذلك يعود بشكل أساسي لموقف المحافظين المعادي لها، وهم الذين دعوا لحظة تخلي ترامب عن الاتفاق النووي الى عودة إيران لتخصيب اليورانيوم دون قيود، وهم الذين يرفضون الجلوس على طاولة التفاوض مع واشنطن تحت أي ظرف كان، لذلك إن خسارة المعتدلين في إيران يعني انتهاء أي فرصة أميركية للتفاوض مع طهران في أي شأن يعني المنطقة، وليس على غرار التفاوض مع ​كوريا الشمالية​، خصوصا وأن الولايات المتحدة قد اقتنعت بأن الحروب العسكرية لا تجدي نفعا.

يعوّل المسؤولون في إيران على قدرة تحمّل الشعب للضغوطات الاقتصادية، ولكن كثرة التظاهر بدأت توحي وكأن الشعب لم يعد قادرا على الصمود أكثر، فهل تشهد إيران تغييرات دراماتيكية قريبا؟! وهل تساهم سياسات ترامب بعودة المتشددين للحكم في طهران مع ما يعنيه ذلك من تغيير في سياسة الجمهورية الاسلامية في المنطقة ككل؟!.