يُواصل الجيش السُوري حشد قوّاته حول إدلب(1)، وذلك تحضيرًا لبدء معركة كُبرى ستتمّ على مراحل مُتدرّجة، ولربط خُطوط إمداده بعضها ببعض. فأي أهميّة لهذه المعركة المحصورة جغرافيًا في مُحافظة إدلب، بعد التغيّر الكبير الميداني لصالح النظام السُوري والقوى الحليفة؟.

بحسب المعلومات المُتوفّرة، إنّ الجيش السُوري يستعدّ لشنّ هُجوم مُتدرّج ينطلق من محاور عدّة، أحدها من ريف اللاذقيّة الشمالي-الشرقي، والآخر من أقصى الشمال الغربي لحماة، بالتزامن مع تحرّك وحدات الجيش السُوري المُنتشرة في ​ريف حلب​ الجنوب الغربي، بهدف إنهاء آخر الجيوب الجغرافيّة الكبرى التي تقع تحت سيطرة وحدات عسكريّة مُعارضة. وبالتالي، إنّ المرحلة الأولى من الهُجوم لن تستهدف مدينة إدلب، إنّما الأجزاء الجنوبية والغربيّة من الأراضي التي تُسيطر عليها الميليشيات المُعارضة للنظام السُوري.

هذا على الصعيد العسكري، أمّا بالنسبة إلى الواقع السياسي، فإنّ الهدف من معركة إدلب هو تغيير نتيجة الحرب السُوريّة ككل، من خلال فرض تسوية نهائيّة تصبّ كليًا وبنسبة مئة في المئة لصالح النظام السُوري والمحور الإقليمي الداعم له. وعُلم أنّ مُمثّلي النظام السُوري يعملون على المُماطلة خلال جولات التفاوض التي تُقام دَوريًا بشأن الأزمة في ​سوريا​، بهدف تأخير التوصّل إلى أي تسوية إلى ما بعد معركة إدلب، لأنّ بقاء مناطق جغرافيّة تحت سيطرة المُعارضة سيمنح هؤلاء إمتيازات أكبر في أي تسوية نهائيّة، بينما السيطرة على آخر المعاقل العسكرية الكُبرى للمعارضة سيُجرّد هذه الأخيرة من آخر أوراقها التفاوضيّة، وسيجعل من السهل فرض أي تسوية نهائية للحرب السُورية، حتى لوّ كانت لصالح النظام بشكل كامل وتام. وعلى خطّ مُواز، ستخسر ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة بدورها آخر أوراقها التفاوضيّة في حال سُقوط مُحافظة إدلب، علمًا أنّ أكثر من خبير فسّروا ما تسرّب عن إحتمال توجيه ضربات أميركيّة–بريطانيّة–فرنسيّة للجيش السُوري بحجّة إستخدامه أسلحة كيميائيّة-قبل أن يحصل هذا "السيناريو"، يُمثّل تهديدًا مُبطّنًا برفض ​واشنطن​ شنّ هجمات كبرى جديدة لإنهاء الحرب السُوريّة بالقُوّة العسكريّة وليس عبر تسوية سياسيّة.

وعلى خطّ مُواز، كان لافتًا أنّه في ظلّ المُطالبات الدَوليّة بضرورة خروج كل القوّات والميليشيات الأجنبيّة من سُوريا إفساحًا في المجال أمام التوصّل إلى تسوية نهائيّة للحرب، سارعت كل من ​إيران​ وسُوريا إلى توقيع إتفاقات أمنيّة جديدة بينهما، بهدف "تشريع" بقاء القوّات الإيرانيّة المُنتشرة في سُوريا ومُحاولة التنصّل من الضُغوط الغربيّة التي تُصرّ على إنسحاب هذه القوّات كبند أساسي في أيّ تسوية نهائيّة لسوريا. وتُمهّد هذه الإتفاقات أيضًا لقيام إيران بإعادة بناء وتأهيل وتدريب الجيش السُوري، وبإقامة قواعد عسكريّة دائمة في سوريا، لضمان إستمرار إمساك ​النظام السوري​ بالأرض في مرحلة ما بعد الحرب، حيث أنّ النظام يخشى عودة الأمور إلى التراجع في حال عدم مُساعدته من قبل قوّات أجنبيّة يثق بها.

لكن وإذا كان من الطبيعي أنّ الإتفاقات الإيرانيّة–السُوريّة الجديدة، قد أثارت غضبًا ​إسرائيل​يًا عارمًا، حيث أكّد أكثر من مسؤول إسرائيلي أنّ إسرائيل لن تسمح بتهديد أمنها من قبل إيران إنطلاقًا من سوريا، وأنّها ستتعامل عسكريًا مع هذه التهديدات-بغضّ النظر عن اي إتفاق أو تفاهم، فإنّ اللافت أنّ ​روسيا​ لم تُرحّب بهذا التطوّر، لأنّه يتناقض مع خططها لمُستقبل سوريا. فروسيا ترغب أن تؤمّن التسوية النهائيّة للحرب السُوريّة حُضورًا دائمًا لها في سوريا، عسكريًا عبر قواعد عسكريّة برّية وبحريّة من دون أن تكون سوريا محورًا لنزاع أمني مفتوح بين إسرائيل وإيران، وسياسيًا عبر ضمانات تُقدّمها على الصعيدين الإقليمي والدَولي كغطاء لأي إتفاق نهائي يتمّ التوصّل إليه مُستقبلاً تحت جناحيها. وفي المعلومات أيضًا، أنّ روسيا تضغط منذ مُدّة لحلّ ما يُسمّى "قوّات الدفاع الوطني" التي هي عبارة عن ميليشيات مُرادفة للجيش السُوري أنشأتها إيران في العام 2012، وقامت بتدريبها بالتعاون مع "​حزب الله​"، الأمر الذي كان له أثر كبير في تعويض النظام السُوري النقص على مُستوى العديد خلال فترات دقيقة من الحرب السُوريّة. وتسعى روسيا أيضًا إلى إقناع النظام السُوري بضرورة العفو عن بعض الوحدات العسكريّة التي إنشقّت عنه في السابق، وبإعادة دمجها مع بعض وحدات قوّات "قسد"(2) في الجيش السُوري، بهدف طيّ صفحة الحرب النهائية. وتواصل روسيا حاليًا إتصالاتها، في مُحاولة لتجنيب سوريا سلسلة جديدة من المعارك في مُحافظة إدلب ومحيطها، خاصة وأنّ هذه المعركة لن تكون نزهة لأنّه لم يبقَ للفصائل المُعارضة ما تخسره، شأنها شأن كل القوى الداعمة لها. وفي حين تجهد روسيا لإقناع المُعارضة في إدلب بضرورة إنهاء القتال، تعمل مع إيران على إستمالة ​تركيا​، مُستغلّين كلاهما خلاف أنقره المُتصاعد مع الولايات المتحدة الأميركيّة، وبنيّتهما إقناعها برفع إعتراضها على معركة إدلب.

وفي الإنتظار، يبدو أنّ الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة كأقصى حدّ، ستحمل الخبر اليقين بالنسبة إلى الإتجاه الذي ستسلكه الحرب في سوريا، لا سيّما لجهة الإنتقاء بين مُواصلة مرحلة المُفاوضات ولوّ بوتيرة شديدة البطء، أو العودة إلى مرحلة الحسم العسكري مع كل المخاطر الناجمة من ذلك.

(1) بخاصة إلى محور بلدة أبو الظُهور في ​ريف إدلب​ الجنوب الشرقي، بالتزامن مع إرساله وحدات عسكريّة إلى محور ​ريف حماة​ الشمالي.

(2) "قوّات سوريا الديمقراطيّة" هي عبارة عن تحالف مُتعدّد الأعراق والأديان يضمّ بشكل أساسي وحدات كرديّة، إلى جانب ميليشيات عربيّة وتركمانية، إلخ.