للمرة الثانية، منذ بدء تحول أزمة تشكيل الحكومة إلى معركة حول صلاحيات رئيس الحكومة بشكل أو بآخر، يظهر رئيس كتلة "الوسط" النائب ​نجيب ميقاتي​ إلى جانب رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، ضمن ما يعرف بإجتماع رؤساء الحكومات السابقين، الذي يضم أيضاً النائب ​تمام سلام​ وفؤاد السنيورة.

وعلى الرغم من الصراع بين الجانبين في السابق، منذ تسلم ميقاتي رئاسة حكومته الثانية في العام 2011 وصولاً إلى ​الإنتخابات النيابية​ الأخيرة، لا يمكن إستغراب وقوف رئيس كتلة "الوسط" إلى جانب الحريري في هذه المعركة، فهو يرفع دائماً لواء الدفاع عن موقع الرئاسة الثالثة، الأمر الذي دفعه خلال إحتفال للائحته، قبل الإنتخابات، إلى رفض أصوات الإستهجان عند ذكر اسم الحريري، داعياً الحضور إلى التصفيق، على قاعدة إحترام موقع الطائفة السنية الأول في ​الدولة اللبنانية​.

إنطلاقاً من ذلك، ترى مصادر سياسيّة مطلعة، عبر "النشرة"، ضرورة التوقف عند أكثر من نقطة لفهم حقيقة ما يجري بين الجانبين، أولّها إصرار ميقاتي على الوقوف إلى جانب رئيس الحكومة المكلف في مهمته، لا سيما فيما بات يُعرف بأزمة مهلة التأليف، بالإضافة إلى رفضه لكل ما يُطرح عن إحتمال أن يكون البديل عنه في حال إعتذاره، حيث يُصر على التأكيد بأن كتلة "الوسط" ستعيد تسمية الحريري من جديد، الأمر الذي لا ينفصل عن مبادرة الكتلة إلى تسمية رئيس الحكومة المكلف في الإستشارات النيابية الملزمة.

في قناعة ميقاتي، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، هذه مواقف مبدئية لا يمكن التخلي عنها مهما كانت حدّة التنافس السياسي مع تيار "المستقبل"، وبالتالي لا يمكن ربطها بأي مصلحة سياسيّة، طالما أنها متعلقة بصلاحيات رئيس الحكومة، لكن في المقابل لدى بعض الأوساط السياسيّة رؤية مختلفة، مفادها بأن رئيس كتلة "الوسط" يسعى إلى نوع من "الثنائية" مع الحريري على الساحة السنيّة، لا سيما أن رئيس الحكومة المكلف لم يعد قادراً على الإدّعاء بأنه الممثّل الوحيد، في ظل إرتفاع عدد النواب الذين لا يدورون في فلك تيار "المستقبل" إلى 10.

من وجهة نظر هذه المصادر، يتسلّح ميقاتي، في هذا المجال، بحصوله على 21 ألف صوت تفضيلي في الإنتخابات النيابية بدائرة طرابلس-المنية-الضنية، وبقدرته، من دون أي تحالف، على الفوز بكتلة من 4 نواب (سني، ماروني، أرثوذكسي، علوي)، ما يعني تكريسه رقماً صعباً على مستوى عاصمة الشمال، وتؤكد بأن الحريري قرأ الأمر جيداً، حيث أعلن، بعد زيارته ميقاتي في جولته على رؤساء الحكومة السابقين بعد تكليفه، أن "ميقاتي هو خير من يمثل طرابلس".

بالنسبة إلى المصادر السياسيّة المطلعة، حتى الساعة لا يمكن الحديث عن ثنائيّة بين الرجلين على الساحة السنيّة، لكن يمكن الاشارة الى وجود تكامل هو حاجة لكل منهما بشكل أو بآخر، فالحريري بحاجة إلى ميقاتي لتغطية تراجعه على الساحة السنيّة، في حين أن رئيس الحكومة السابق بحاجة إلى رئيس الحكومة المكلف في أكثر من ملف، وتضيف: "في ظل إصرار الحريري على عدم تمثيل النواب السنّة الذين لا يدورون في فلكه، فإن ميقاتي، الذي يملك كتلة من 4 نواب، قد يكون طوق النجاة".

في رأي هذه المصادر، لم يعد رئيس الحكومة المكلف قادراً على "التهرب" من تمثيل النواب السنة الآخرين، لا سيما إذا ما قرر حلفاء هؤلاء تحويل تمثيلهم إلى عقدة حقيقية، على قاعدة أن الحريري لا يمثّل الساحة السنيّة بشكل كامل، لكنها تجزم بأن أحداً لا يستطيع القيام بمثل هذا الأمر في حال كان ميقاتي إلى جانبه، وتعتبر أنه الخيار الأفضل، بالنسبة له، لأن رئيس الحكومة السابق هو الأقرب إليه في الخيارات السياسية.

وفي حين تؤكد أن هذا المسار من الممكن أن يقود إلى تعاون أكبر بين الجانبين، حول مختلف الملفّات التي تهمّ الطائفة السنيّة، تطرح المصادر نفسها الكثير من علامات الإستفهام حول مدى قدرة "المستقبل" على تقبّل هذا الأمر، حيث كان في السابق يرفض التفاعل مع أيّ مبادرة لتوحيد الصفّ، على قاعدة الإعتراف بالآخر، لكنها تشدد على حاجته إلى تحصين واقعه على الساحة السنيّة، فهو لا يستطيع الإستمرار بالطريقة نفسها التي كان يتعامل بها قبل 6 أيار 2018، نظراً إلى أنّ وضعه كان أفضل مما هو عليه اليوم، محلياً وإقليمياً ومالياً.

في الختام، ستكون الأيام المقبلة قادرة على كشف المسار الذي ستذهب إليه العلاقة بين الجانبين، والجواب عما إذا كان "التكامل" من الممكن أن يصل إلى "الثنائية"، لكن السؤال يبقى حول النموذج الذي ستكون عليه: فهل تكون على شكل "الشيعية" أم "المسيحية" أم تقدم نموذجاً جديداً؟.