على مدى الأشهر السابقة، حرصت مختلف القوى السياسية على الدعوة إلى إعتماد نتائج الإنتخابات النيابية كمعيار ل​تشكيل الحكومة​ المقبلة، لكن على ما يبدو لا يزال رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ غير راغب في الإلتزام بهذا المعيار، بدليل الصيغة الحكومية التي قدّمها إلى رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، أول من أمس، والتي لم تأخذ في عين الإعتبار بعض "النصائح" التي قُدِّمت له من جانب بعض الجهات العاملة على خط التأليف.

في هذا السياق، تثني مصادر مطلعة في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، على ذهاب رئيس الحكومة المكلّف إلى تقديم صيغة أوليّة إلى رئيس الجمهورية، لكنها في المقابل ترى أنها لا تزال تحتاج إلى المزيد من الدرس، لا سيما أنها لم تتضمن أي حل للعقدتين الدرزية والسنية، في حين أن ما تضمنته على مستوى العقدة المسيحية لا يمكن القبول به.

من وجهة نظر هذه المصادر، الحريري كان يدرك، قبل زيارته القصر الجمهوري، أن عون لن يوافق على هذه الصيغة، لكنه كان مضطراً إلى تقديمها، في ظل الضغوط التي تفرض عليه والإتهامات التي توجّه له بأنه لم يقدم أي صيغة حتى الساعة، وترى أنه إنطلاقاً منها يمكن إستكمال المشاورات في حال كانت هناك رغبة بالوصول إلى نتيجة إيجابية، إلا أنها لا تزال تُصر على أن المشكلة الأساسية تكمن في العقد الخارجية، حيث هناك جهات إقليمية ودولية غير راغبة في تشكيل حكومة لبنانية في المرحلة الراهنة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، تكمن العقدة الأساسية في الصيغة التي تقدم بها رئيس الحكومة إذ انها لا تراعي نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، فتعطي قوى الرابع عشر من آذار، مع "​الحزب التقدمي الإشتراكي​"، 13 وزيراً (6 ​تيار المستقبل​، 3 الحزب الإشتراكي، 4 ​القوات اللبنانية​)، وهي الحصة نفسها التي حصلت عليها هذه القوى في الحكومة الحالية، في حين أنها تعطي قوى الثامن من آذار 7 وزراء (6 ​حزب الله​ و​حركة أمل​)، بينما حصتها اليوم 8 وزراء (6 حزب الله وحركة أمل والحزب القومي، 1 ​تيار المردة​، 1 ​الحزب الديمقراطي اللبناني​)، وتسأل: "هل خسر فريقنا السياسي الإنتخابات كي نقبل بمثل هذا الطرح"؟.

من ناحية أخرى، تكشف مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن رئيس الحكومة المكلف كان قد تلقى نصيحة من قبل أحد العاملين على خط التأليف، بالعمل على معالجة تمثيل الشخصيات السنيّة التي لا تدور في فلك تيار "المستقبل"، لافتة إلى أن أجواء الحريري كانت توحي بأن الحل قد يكون من خلال تمثيل كتلة "الوسط" التي يرأسها رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​، خصوصاً أن تجاوز هذا الكتلة أمر غير ممكن بعد فوزها في الإنتخابات الأخيرة بـ4 مقاعد نيابية، إلا أن الصيغة التي تقدم بها رئيس الحكومة المكلّف لم تتضمّن هذا الأمر.

بالإضافة إلى ذلك، تشير هذه المصادر إلى أن الأمر نفسه ينطبق على العقدة المسيحيّة، نظراً إلى أن الطريقة التي تمّت على أساسها عملية توزيع الحقائب الأساسيّة أدت إلى بروز خلافات حول حصّة باقي القوى، في ظل "المبالغة" في الحقائب التي قدمت إلى حزب "القوات اللبنانية"، في حين أنه على المستوى الدرزي لم تقدم حلا يرضي رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط أو رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" النائب طلال أرسلان، وتضيف: "الحريري كان يريد، من خلال هذه الصيغة، أن يدفع صفة العرقلة عن فريقه السياسي، لكنه قد يكون غامر في إعادة الأمور إلى المربّع الأول".

في المحصلة، تشدّد المصادر نفسها على أن المطلوب كان أن يذهب رئيس الحكومة المكلف إلى تقديم صيغة نهائية، بعد 3 أشهر من المشاورات والإتصالات، بدل إعادة تدوير ما كان يطرح من أفكار مرفوضة مسبقاً.