في الأشهر السابقة، حرصت أغلب القوى السياسية على ربط ضرورة الإسراع في ​تشكيل الحكومة​ بالأوضاع الإقتصادية الصعبة، مع التأكيد على ضرورة الإنطلاق في عملية إصلاح واسعة تشمل مختلف القطاعات، لكن المراقب للمشاورات والإتصالات التي ترافق عملية التأليف يتأكد، بما لا يقبل الشك، أن كل هذه العناوين ليست إلا شعارات، تخفي خلفها صراعاً على الحقائب الخدماتيّة، التي تستخدمها الأحزاب والتيارات لتحسين حضورها الشعبي، على أمل أن يصب ذلك في صناديق الإقتراع.

حسم توزيع الحقائب السياديّة الأربع: الداخلية (​تيار المستقبل​) والدفاع (رئيس الجمهورية) والمالية (​حركة أمل​) والخارجية والمغتربين (​التيار الوطني الحر​)، جنّبها الصراع المُحتدم على ما يُعرف بالوزارات الخدماتيّة، لا سيما بعد أن باتت حكراً على طوائف ومذاهب وقوى سياسيّة معيّنة، بغضّ النظر عن سعي بعض القوى، مثل حزب "القوات ال​لبنان​يّة"، إلى الحصول على إحداها، مع العلم أن أي "مداورة" في ما بينها كان من الممكن أن تؤدي إلى عقد إضافية لا يمكن معالجتها بسهولة.

الوزارات الخدماتية في لبنان هي: الأشغال العامة والنقل، الطاقة والمياه، الصحة العامة، التربية والتعليم العالي، العدل، الإتصالات. وتخوض القوى السياسيّة معارك شرسة بهدف الحفاظ على حقيبة هي في عهدتها، أو الحصول على واحدة في يد منافس لا تريد أن يستمرّ في الإستفادة منها، رغم المشاكل التي تواجه بعضها، كتلك التي في الأشغال العامة والنقل أو في الطاقة والمياه، لكن ماذا تتضمن كل واحدة من هذه الحقائب؟.

الأشغال العامة والنقل، من أبرز الوزارات التي تستخدم لبناء النفوذ السياسي، عن طريق توزيع "الزفت" والمشاريع على المتعهّدين، في حين غاب عن بال شاغليها، منذ سنوات، ضرورة وضع خطة نقل عام أو تحسين البنى التحتية، ومن المتوقع أن يكون لها "حصة الأسد" من الأموال القادمة من مؤتمر "سيدر".

الطاقة والمياه، لم تكن سابقاً من الوزارات التي تسعى القوى السياسية إلى الحصول عليها، لا سيما مع تفاقم أزمة الكهرباء "المستعصية"، حيث يتلقى شاغلها يومياً آلاف الشتائم من المواطنين، إلا أن بروز نجم ملف النفط والغاز في البحر اللبناني حولها إلى "سوبر" سياديّة، نظراً إلى العائدات المتوقّعة.

الإتصالات، لا يستطيح أحد أن ينكر واقع هذا القطاع، فلبنان يتذيّل جميع اللوائح العالميّة التي تحدّد نوعية الخدمات فيه، إلا أن هذه الوزارة تعتبر من أبرز الموارد الماليّة، كما أنها باب مهم للتوظيف السياسي خصوصاً في هيئة "أوجيرو".

ما ينطبق على الحقائب الثلاث المذكورة في الأعلى، ينطبق أيضاً على الصحة والتربية والعدل، بشكل أو بآخر، لكن على مستوى التعيينات والخدمات التي تقدم في كل منها بشكل رئيسي، خصوصاً في الأولى والثانية، حيث يبقى الملفّان التربوي والصحي من أبرز هموم المواطن.

في ظلّ هذا الواقع، يكون من المنطقي السؤال عن باقي الوزارات، التي تعتبر أساسيّة في معظم دول العالم، لا سيما تلك التي تعاني من أزمات إقتصاديّة أو تسعى إلى الخروج منها، مثل الزراعة والصناعة والسياحة، وأهمية الأخيرة في لبنان تكمن بأن هذا القطاع يعتبر الأهم على المستوى الإقتصادي من حيث المداخيل، لكن عملياً يغيب التنافس بين القوى المختلفة حول هذه الحقائب، باستثناء الزراعة نوعاً ما، وتوزيعها سيكون على قاعدة "كمالة العدد"، بالنسبة إلى الحصص التي سينالها كل فريق.

أهمية هذه الوزارات الثلاث، التي لا يمكن الحديث عن النهوض في الإقتصاد الوطني من دون الإهتمام بها، لا تلغي أهمية كل من الحقائب التالية: الثقافة، الشباب والتربية، والبيئة، فالأخيرة، التي من المفترض أن تكون "سياديّة"، يسعى الجميع إلى الهروب منها، نظراً إلى العجز عن معالجة أزمة النفايات، وهذا ما قاله صراحة رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​، الذي أعلن أنه لا يريد أن تكون من حصة حزبه كي لا يقع في مشاكل مع "تجّار النفايات"، حسب تعبيره، بينما واقع كل من الرياضة والثقافة في لبنان معروف، ولا يحتاج إلى الكثير من الشرح أو التفاصيل.