حملت الايام القليلة الماضية اشارات قد تكون الاقوى والاكثر جديّة حيال التقارب بين "​القوات اللبنانية​" وتيار "المردة". قد تكون هذه الخطوة صعبة، كونها تعني طيّ صفحة قاسية ومؤلمة ودامية بين الطرفين دامت عقوداً من الزمن، ولكن مع التقارب الذي حصل بين ​التيار الوطني الحر​ والقوات سابقاً، لم يعد من الصعب الوصول الى ارضية مشتركة بين الحزب والتيار الشمالي.

من وجهة نظر وطنيّة شاملة، لا شك ان اي تقارب بين اي طرفين هو مكسب، ويمكن البناء عليه والانتقال منه من اجل الوصول الى مكاسب اكبر واشمل، علّها تكون المدماك الاساسي لبناء لبنان جديد يحلم به اللبنانيون منذ انتهاء الحرب، وبالاخص بعد خروج الجيش السوري. ولكن، لا يمكن الاخذ بالتفاؤل، وكل ما ينبثق عن هذه التقاربات هو تنفيس الاحتقان من جهة، وتخفيض سقف التوتر الاعلامي والشعبي من جهة ثانية، اما بناء لبنان الجديد فمهمة تبدو مؤجلة الى اجل غير مسمى.

من وجهة نظر مسيحيّة، من المهم ان يكون هذا التقارب قيّماً وان يكون جدياً وفاعلاً، وان يأخذ العبر والدروس من التفاهمات الاخرى التي اجريت قبله، وبشكل خاص بين التيار الوطني الحر والقوات، حيث تعرّض اتّفاق معراب للكثير من الامتحانات، وكاد ان يسقط بالضربة القاضية قبل ايام لولا تحرك المعنيين في الجهتين لرأب الصدع، او اقلّه منع اتساع الهوّة وتداعياتها، كي لا ينتقل الخلاف الى الشارع كما حصل في الجامعة اليسوعيّة. واذا كانت المسافة بين معراب وبنشعي قد اصبحت اقرب من اجل الابتعاد عن التيار الوطني الحر، يكون الطرفان قد وقعا في الحفرة نفسها التي وقعت فيها القوات والتيار البرتقالي، لانه قيل ان التقارب بين الاخيرين اتى على حساب "المردة" ورئيسها النائب السابق ​سليمان فرنجية​، وقد اهتز تفاهم معراب وكاد ان يسقط.

اما في حال كان التقارب لتحصين الساحة المسيحيّة، فعندها تكون "القوات اللبنانية" قد اثبتت انها نقطة التقاء بين مختلف الاحزاب المسيحيّة نظراً الى ان التيار الوطني الحر و"المردة" كانا الوحيدين البعيدين عنها بين الاحزاب المسيحيّة الباقية، وقد اتم حزب الكتائب ما عليه حين اعاد الامور الى مجراها مع النائب السابق سليمان فرنجية. ويمكن ان يكون رئيس القوات ​سمير جعجع​ قد وضع نصب عينيه خطة مماثلة، من اجل ان يكون الزعيم "المسيحي القويّ" شعبياً، ولكن عليه اولاً ان يتخطّى عقبة مهمّة تتمثل في جمع التيارين اللدودين في مرحلة لاحقة. وفي حال تحقق هذا الامر، فعندها سيجد جعجع نفسه امام واقع مسيحي جديد، وسيتمّ النظر اليه على انه صاحب الثقل المسيحي في لبنان، دون ان يعني ذلك انه سيعمل على الغاء الاحزاب الاخرى او تحجيمها، بل عليه اثبات نفسه امامها كشخص قادر على التفاوض وعلى تمثيل وجهة النظر المسيحيّة.

كل ذلك لا يزال على الورق وفي الاذهان، انما على ارض الواقع، لا يمكن الاعتماد كثيرا ًعلى هذا السيناريو، فالتجارب السابقة اثبتت منذ ومن طويل ان اي تقارب مسيحي-مسيحي لن يكتب له ان يتخطى المراحل الاوليّة، وكل من يعمل على تحقيق خرق في هذا المجال، اما يسقط ضحيته ويدفع ثمنه من حياته او دمه او مستقبله السياسي...

لا يمكن لأحد ان يعارض أيّ تقارب بين أيّ طرفين في لبنان، أياً يكن توجههما الديني او السياسي، انما لا يزال لبنان يدفع ثمن واقعه الجغرافي، وبالتالي من المبكر جداً توقع ان تتم مصالحة فاعلة وشاملة على الساحة المسيحيّة، والابقاء على آمال ان تدوم فترة التقارب مدة طويلة، اكانت بين "القوات" و"التيار الوطني الحر" او بينها وتيار "المردة"، ولا تقع ضحيّة تجارب وامتحانات سياسيّة قاسية قد تهدّد بقاءها.