إتجهت الأنظار العالمية إلى ​إيران​ مجدداً بعد أسابيع من احتلال ​السعودية​ الجزء الأكبر من الإهتمام الدولي بعد قضية جريمة مقتل ​جمال خاشقجي​ في سفارة بلاده في إسطنبول. هذه المرة عادت إيران إلى الواجهة من باب "الإرهاب"، بعد اتهام طهران بالتخطيط لـ"هجوم إرهابي" في ​الدنمارك​*، ما استدعى الخارجية الدنماركية لاستدعاء سفير إيران فيها مرتضى مراديان.

الشخص المسؤول عن العملية التي تُتهم إيران بها هو نروجي من أصل إيراني. وقد ألقت السلطات السويديّة القبض عليه في مدينة غوتنبرغ بعد الإشتباه به. ردة الفعل الدنماركية كانت شديدة، فتوجّهت الاتهامات مباشرة من قبل المسؤولين الدنماركيين الى إيران. أما الردّ الإيراني جاء على لسان المتحدّث باسم الخارجيّة الإيرانيّة إبراهيم قاسمي، الذي وضع هذه الإتّهامات في خانة "المؤامرة" على إيران، وضمن سلسلة المؤامرات التي تقودها أميركا لمواجهة طهران، ولزعزعة العلاقات مع الإتحاد الأوروبي.

في 21 تشرين الأول تم إلقاء القبض على المتّهم، والسبب الرئيسي الذي دفع سلطات الدنمارك لاتهام السلطات الرسميّة في إيران بالتخطيط لهذا العمل، هو أن العملية كانت تحضّر لاغتيال زعيم فرع حركة النضال العربي لتحرير الأحواز وإثنين آخرين من الحركة، وهي الحركة المتّهمة بتنفيذ الهجوم على العرض العسكري الإيراني في ​الأهواز​ في أيلول الماضي. إضافة إلى ذلك، فبعد هجوم الأهواز، أعلنت إيران صراحة انها ستحاسب المسؤولين عن هذه العمليّة، موضحة أنهم يتواجدون في هولندا والدنمارك وبريطانيا.

هل ستتأثر إيران؟

في الشكل، إن هذه الإتهامات لم تأخذ بعداً خطيراً، خصوصاً وأن التحقيقات في الموضوع لم تنتهِ. كما أنها ليست المرة الأولى التي تتهم طهران فيها بهكذا عمليات، ففي حزيران الماضي اتهمت السلطات الفرنسيّة السلطات الإيرانيّة بالتخطيط لاغتيال ما يسمى "قادة المعارضة الإيرانية" بعد القاء القبض على بلجيكيين من أصل إيراني كانوا على تواصل مع أحد الدبلوماسيين الإيرانيين. إلا أن ذلك، لم يهدّد العلاقات الإيرانيّة الفرنسيّة.

لكن خطورة هذا الموضوع تكمن في أبعاده السياسية، خصوصاً وان الولايات المتحدة الأميركيّة عملت منذ اللحظة الأولى لاعلان السلطات الدنماركيّة عن الحادثة، إلى تحريك الرأي العام الدولي والدول الأوروبيّة لمواجهة إيران، إذ وصف وزير الخارجية الأميركي ​مايك بومبيو​ ما حصل أنه ضمن "الإرهاب الإيراني الذي يضرب أوروبا منذ أربعين عاماً".

أوروبياً، تعمل السلطات الإيرانيّة منذ انسحاب الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ من الإتفاق النووي الإيراني في أيار الماضي للحفاظ على أفضل العلاقات مع هذه الدول، خصوصاً بعد الحلول التي بحثت عنها طهران في سوقها المالي عبر اعتماد اليورو بديلاً عن الدولار، بالتزامن مع بحث الدول الأوروبيّة عن حلول قانونية للالتفاف على العقوبات الأميركيّة. وبالتالي لا ترى إيران خطورة في هذه العقوبات الأحاديّة عليها، لكن إذا أجمعت الدول الأروبيّة على "تجريم" الجمهوريّة الاسلاميّة، خصوصاً بعد هذه الحادثة التي لم تنتهِ تبعاتها، فهنا يبدأ الخطر الفعلي عليها. لذا ستعمل إيران جاهدة في الأيام المقبلة على تأكيد براءتها من هذه التهم الموجّهة إليها في موضوع خليّة الدنمارك، خصوصا وانها على بعد أيام تفصلها عن الدفعة الثانية من العقوبات الأميركيّة عليها، الأمر الذي سيكون مؤذيا في حال أدّى هذا الإهتزاز في العلاقات مع الدول الأوروبيّة إلى تخلّي دول القارة العجوز عن طهران.

لا يزال المشهد ضبابيًّا، والأسئلة كثيرة، فهل سيتم احتواء القضيّة واقتصار تبعاتها على استدعاء السفير، وهل تسعى الولايات المتحدة الاميركيّة لاستثمار القضيّة لضرب علاقة إيران بأوروبا من جهة وتصوير النظام الايراني "قاتلا" لمعارضيه، في محاولة لحرف الأنظار عن عملية قتل خاشقجي من جهة اخرى؟!.

*في 28 أيلول الماضي أغلقت السلطات الدنماركية عدداً من الجسور ونشرت مئات عناصر الشرطة دون توضيح السبب، إلى أن ربطت ذلك مؤخراً بان سبب ذلك كان إلقاء القبض على تلك الخلية المتهمة باغتيال زعيم فرع حركة النضال العربي لتحرير الأحواز