مجرد أن يبدي رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ رفضه لمطلب النواب الستّة "السنّة المستقلين" بشأن الحصول على حقيبة وزارية، يعني أنّه يتفهّم مبررات رئيس ​الحكومة​ المكلّف ​سعد الحريري​ بعدم توزيرهم. هم ليسوا كتلة نيابيّة بالأساس. هذا ما انطلق منه رئيس الجمهورية الذي رفض تكتيكاً سياسياً يضرّ بمصلحة البلد.

لمن الرسالة؟ بالطبع هي ل​حزب الله​، الذي يمسك هذه الورقة، ولا احد سواه، لاسباب عدة:

-لعدم استفراد الحريري بالساحة السياسيّة السنيّة، بعدما استطاع خصوم "المستقبل" نيل مقاعد نيابية عدة.

-وفاء لحلفائه السنّة، الذين التزموا معه في السنوات الماضية، فيردّ لهم الجميل الآن.

-ينطلق الحزب من وقائع المنطقة و​لبنان​، للتأكيد أنّ زمن 2005 و2011 قد ولّى، وبالتالي لم يعد لبنان ولا ​سوريا​ ساحتين مفتوحتين لتحكّم حلفاء الحريري من الرياض الى واشنطن. فالمطّلعون على اجواء الحزب يقولون في مجالسهم: لقد خسر مشروع خصومنا، فلماذا نتواضع امامهم؟.

-بعكس كل التحليلات، لم يعد الحزب مستعجلا على تأليف الحكومة، لا ربطاً ب​المحكمة الدولية​، ولا بالعقوبات المالية، ولا بمستجدات ايران، ولا السعودية.

لكن لماذا تفهّم الرئيس عون موقف الحريري، ورفض مطلب حزب الله عبر النوّاب الستّة؟

تعددت الروايات حول سعي الحزب لتمثيل النواب المذكورين من حصّة رئيس الجمهوريّة، لا من حصّة الحريري حصراً، في وقت يريد الرئيس عون ان يوزّر أحد مناصريه عن المقعد السنّي. علما ان رئيس الجمهورية لم يكن بأجواء هذا التصعيد خلال عمليّة تأليف الحكومة، بل وجد ان التكتيك الاخير استجد بشكل حاد بعد ازالة العقدة القواتيّة من أمام عمليّة التأليف الحكومي.

كما ان الرئيس عون ينطلق من ضرورة بتّ الملف الحكومي سريعا، بعد اطّلاعه على مخاطر اقتصاديّة قد تصيب البلد، والدليل ما ورد في تقرير البنك الدولي. كما ان رئيس الجمهورية يعتبر ان الفرصة الاقليميّة سانحة اليوم لعدم فرض التعطيل الحكومي في لبنان، وهو الذي يريد فرض الاصلاح من خلال عمل حكومي يعوّل عليه.

وصلت الرسالة الى حزب الله، مقرونة بملحق مهم: عودة الثنائيّة بين عون-الحريري. ليتبيّن أن التكتيك الذي يتبّعه الحزب ويرفضه رئيس الجمهورية قد يجرّ البلد الى تداعيات سياسيّة، تساهم في ابعاد رئيس الجمهورية عن الحزب، في وقت يحتاج فيه "حزب الله" الى غطاء رسمي، ورعاية حكوميّة، في زمن العقوبات القاسية الآتية. علما أنّ الحديث عن تلك العقوبات يتوسّع خطورة، مع توجّه لإدخال واشنطن كل شخص او جمعيّة او بلديّة او هيئة نقابيّة محسوبة على "حزب الله" في اطار العقوبات المفروضة بجديّة هذه المرّة، تحت طائلة معاقبة أيّ مؤازر.

كل ذلك يفرض الاسراع في بتّ ملفّ الحكومة، برعاية بعبدا، التي يُنتظر ان يسلّفها الحزب الحلّ، ويردّ الكرة من ملعبه. لأن حديث اللبنانيين بدأ يتردد بقوة عن مسؤوليّات وتداعيات سلبيّة في حال ابقاء البلد بالمراوحة القائمة.