يعاني ​لبنان​ من الفساد، والتلوّث، وأمراض عديدة. هذه ثابتة يدركها الجميع، ولكن هي لا تعني أن استمرار التصويب على لبنان من قبل الغريب هو أمر صحيّ، خصوصا عندما يكون للغريب امراضه التي يمكن له التحدث عنها، بدل التلّهي بشؤوننا.

منذ فترة، عمدت إحدى الصحف الفرنسية وتُدعى "​ليبراسيون​" الى مهاجمة لبنان، لا عبر ذكر حقائق فقط، بل عبر بثّ شائعات هدفها تشويه متعمّد لصورة لبنان بالخارج، خصوصا عندما تأتي الصحيفة على ذكر حادثة "اختلاط مياه الشفة في أحد الآبار في الضاحية الجنوبية ب​مياه الصرف الصحي​"، وتعميم هذا الامر على كل المياه المخصّصة للاستعمال المنزلي.

نحن لا نقارن أنفسنا بأي بلد، ولا نسعى لتشويه صورة أي دولة، بل نحاول التصويب على مكامن الخلل في بلدنا لإصلاحها.

ولكن يهمنا لفت نظر الصحيفة الفرنسية الى أن ​فرنسا​ تحتل فرنسا المركز 23 في مؤشر الفساد العالمي من أصل 180 دولة، وهي تُعتبر الأسوأ بين جاراتها من الدول الاوروبيّة، وفي ذلك إشارة واضحة بأن هذا المركز يعكس ما تحاول تصويره باريس عن نفسها بأنها من رعاة حقوق الإنسان والشفافيّة، وذلك بالرغم من وجود العديد من المؤسسات الرسميّة التي تعمل على ​مكافحة الفساد​، إلا أنها لم تنجح في تحسين صورتها في هذا الأمر كما انها لم تنجح في مكافحة الفساد بكافة أشكاله في مؤسسات الدولة، وذلك في السنوات العشر الاخيرة، أي منذ تاريخ بدء الدولة الفرنسية بالعمل على إنشاء المؤسسات الوطنيّة لمكافحة الفساد إلا أنها لم تنجح في تحسين صورتها اوروبيًّا.

في كل فترة زمنيّة تنفجر إحدى قضايا الفساد في فرنسا، فحادثة وزير الإقتصاد الفرنسي جيروم كاهوزاك الذي اتّهم عام 2016 بتبييض الأموال والتهرب الضريبي لا تزال شاخصة امامنا، إضافة لفضيحة مرشّح اليمين للرئاسة الفرنسية فرنسوا فيّون، الذي قام باختلاس أموال عامة عندما كان عضوا بمجلس الشيوخ، وهو اتهام أضيف إلى القضيّة المتعلّقة بزوجته بينيلوب التي شغلت وظيفة وهمية مكّنتها من الحصول على نحو نصف مليون يورو خلال 10 أعوام.

وأيضا من الأمور التي يمكن للصحافة الفرنسية الانشغال بها، التهم لكبار المسؤولين الفرنسيّين بتمويل الإرهاب وتنظيم "داعش"، وآخر هذه التهم كانت تلك الموّجهة لمسؤولين كبيرين في ​شركة لافارج هولسيم​ الفرنسيّة-السويسريّة، وهذه التهم حملت عنوان "تمويل منظمة إرهابيّة" و"تعريض حياة آخرين للخطر"، مع العلم أن "الآخرين" الذين يتّحدثون عنهم هم "نحن" في لبنان والجوار الذين تحمّلنا خطر الارهاب منذ سنوات ولا زلنا نتحمله، ذلك الارهاب المموّل من أشخاص ودول عربيّة وغربيّة، تبني أمجادها على تدمير بلداننا.

وفي إحصائيّة نشرت في فرنسا في العام 2016، تبيّن وبحسب تقرير لـ"franceculture"، ان عدد الوفيات في فرنسا بسبب تلوّث الهواء وصل إلى 48 ألف شخص، وفي أوروبا عموماً إلى 400 ألف شخص، ما أدّى إلى توجيه العديد من التحذيرات لفرنسا لتحسين أدائها مع الانبعاثات الملوّثة في الهواء.

وفي العام 2017، نشرت le monde تقريراً يوضح حجم تردّي جودة الماء في فرنسا، وعزت السبب الأساسي لذلك لاستخدام السماد الكيميائي في الزراعة ما أثّر على المياه الجوفيّة، وبالتالي على مياه الأنهر التي تُستخدم لريّ المزروعات، مشيرة إلى أن 53% من مياه فرنسا التي تستخدم يوميًّا تتجاوز الكمية المسموحة لاحتواء المياه على الجزيئيات، ولافتة إلى أن "وضع المياه الجوفية مزرٍ للغاية". مع العلم انه في العام 2005 صدرت دراسة قام بها الباحث جان كلود لوفيفر حول نوعية الماء في فرنسا، تؤكّد أنه بحلول عام 2015 لن تنطبق المواصفات الصحيّة في تصنيف مياه الشرب على ثلاثة أرباع المياه العذبة.

كثيرة هي الملفّات التي تعاني منها فرنسا، فلماذا التصويب على لبنان، وكأنّ البلدان الأخرى تعيش في جنّة؟ الا تعلم الصحافة الفرنسية أن حجم خسائرهم من الفساد بات يزيد عن 30 مليار يورو سنويا؟!.