في مُكافحة ​الفساد​، يجب أَنْ نَطَّلع على "تردُّدات موجات الفساد" وأَساليب مُكافحتها.

ثمَّة سُؤال يُطرح في ملفِّ الفساد، إِذا ما عولِج على صعيد مجموعة دولٍ: إِلى أَيِّ مدى تَكون "حركة التَّأَثُّر والتَّأْثير بين الفاسدين الدَّوليِّين، للإِتيان بجوٍّ من الفساد يُعمَّم على مساحة الوطن؟.

وإِلى أَيِّ مدى يمكن أَنْ تلفح رياح الفساد الآتية من الدُّول المُحيطة والبعيدة، ربوع دولةٍ ما؟ فتكون مصدر "إِلهامٍ" لحركة الفساد النَّاشطة؟.

إنَّ"التَّفنُّن في الفساد" المُعمَّم في دولٍ عدَّة قد يُؤشِّر إِلى أَفكارٍ مُستوحاةٍ بالفطرة بين المُفسدين، وبالتَّالي إِذا أَردنا أَنْ نعرف الدَّاء والدَّواء في مُكافحة الفساد، يجب أَنْ نطَّلع على تردُّداته وأَساليب مُكافحته، على قاعدة: "إِذا أَردنا أَنْ نَعرف ماذا في لُبنان، علينا أَنْ نَعرف (مثلاً) ماذا في تُركيا".

لقد أَعطت التَّغييرات الكثيرة الَّتي طاولت "قوانين منح التَّراخيص"، الوزارات التُّركيَّة صلاحيَّات واسعة، وجعلت من شبه المستحيل أَن تكون ثمَّة رقابة عامَّة على منهجيَّة إِعطاء المُناقصات. وقد تجلَّى ذلك بمشهديَّة المَطلوبين للتَّحقيق من مكتب الادِّعاء العامِّ بتُهمٍ تشمل: "تأسيس شبكةٍ إِجراميَّةٍ، الرَّشوة وشراء النُّفوذ، تزوير المُناقصات، تزوير مُستنداتٍ رسميَّة، غسيل أَموال تمَّ تحصيلُها بطرقٍ غير قانونيَّةٍ، وتهديد الغير".

كما وطاولت "قوانين منح التَّراخيص" رجال أَعمالٍ من الطَّبقة الأُولى، ومن المُقرَّبين من "حزب العدالة والتَّنمية"، وضمنًا محمَّد جنكيز صاحب شركات "جنكيز"، ونهاد أُوزدمير صاحب "مجموعة ليماك"، وكلاهُما ضمن المجموعة الَّتي فازت بعقد بناء المطار الثَّالث في ​اسطنبول​، ذاك المطار الَّذي عَامَ بمياه الأَمطار في تشرين الثَّاني 2018، وقبل افتتاحه رسميًّا بأُسبوعين اثنَين فقط.

يُضاف إِليهما ياسين القاضي، الملياردير السَّعوديّ الَّذي اتُّهم في الماضي بِتمويل "القاعدة". ولكن قبل أَنْ تُنفَّذ مُذكَّرات الضَّبط والإِحضار، سُحِبَتِ القضيَّة من المدَّعي العامِّ، معمر أَكاس.

غير أَنَّ ملفَّ الفساد لم يسلَم منه إِردوغان مرَّة جَديدة، وقد كانت ردَّة فعله عنيفةً. فقد أَعلن المدَّعي السَّابق غولتيكين أفجي، وهو قاضٍ تركيٍّ سابقٍ، أَنَّه اتُّهم بوقائع تتعلَّق "بالإِرهاب"، وقد يُحكم عليه بالسَّجن مدى الحياة، لبثِّه تسجيلاً يطاول الرَّئيس رجب طيِّب إِردوغان في قضيَّة فسادٍ .وقال أَفجي عبر حسابه على "تويتر": "أَنا مُلاحق بتهمة المُشاركة في عصابةِ أَشرارٍ على علاقةٍ بعملٍ إِرهابيٍّ، ومُحاولة التَّآمر على الحكومة". وأَضاف أَنَّه يُواجه عقوبةً قُصوى قد تصل إِلى السَّجن مدى الحياة، لأَنَّه أَشار في إِحدى تعليقاته على "تويتر" إِلى رابطٍ لتسجيلِ الاتِّصال الهاتفيِّ الَّذي نُشر على نطاقٍ واسعٍ العام الماضي، ويَطلب فيه إِردوغان من ابنه بِلال، إِخفاءَ مبلغٍ نقديٍّ قدره ثلاثين مليون يورو. وقد نُشر هذا التَّسجيل الصَّوتيّ، الَّذي جاء بعد عمليَّات تنصُّتٍ غير قانونيَّة، عندما كان إِردوغان رئيسًا للحُكومة، للمرَّة الأُولى في شباط 2014، بعد فتح تحقيقٍ بتُهمة الفساد، استهدف عددًا كبيرًا من شخصيَّات الحكومة أَو مُقرَّبين من النِّظام التُّركيِّ.

والتَّراشق بتُهم الفساد في ​تركيا​ قديمٌ، وهو يشمل كلَّ القطاعات، وضمنًا قطاع المصارف. فقد أُقيل عام 2014 عددٌ من مديري "الإِدارة المتوسِّطة في البنك المركزيِّ التُّركيّ"، وبينهم المدير العام ونائبه وأَمين السِّرِّ الخاصّ لمحافظ المصرف إرديم باشجي.

وتزامنًا، كان مجلس القضاء الأَعلى أعلنَ نقل أكثر من 2200 قاضٍ ومدَّعٍ عامٍّ في البلاد، على خلفيَّة كشفهم فضائح فسادٍ.

وكان إِردوغان اتَّهم المصرف مرارًا بعدم اتِّخاذ الخُطوات اللاَّزمة لخفض تكاليف الاقتراض، في حين لم يُرفَع سببٌ واحدٌ للإِقالات المصرفيَّة تلك... فيما وجِّهَت انتقاداتٌ حادَّةٌ إلى عشرات المُديرين التَّنفيذيِّين في مؤسَّساتٍ، وبينها الجهات التَّنظيميَّة لقطاعَي المصارف والاتِّصالات منذ بداية العام، في ما يُعتبر جزءًا من صراعٍ على السُّلطة بين إِردوغان، ورجل الدِّين ​فتح الله غولن​، الَّذي يعيش في الولايات المتَّحدة.

وللحديث صلة...