هل تعتبر المبادرة الرئاسية التي يخوضها الرئيس ​ميشال عون​ مع القوى المعنية بتأليف ​الحكومة​ الخرطوشة الأخيرة بعد ان تهاوى كل ما سبقها من مبادرات وطروحات، أم ان هذه المبادرة تأتي في سياق المحاولات الجارية لإخراج مسألة التأليف من قعر البئر التي وصلت إليه بفعل تصلب كل القوى على مواقفها؟

من المؤكد بأن مبادرة رئيس الجمهورية لن تكون الأخيرة على طريق تأمين ولادة الحكومة، كون ان البلد لا يُمكن ان يبقى إلى أبد الآبدين من دون حكومة، ففي نهاية المطاف ستجد القوى السياسية نفسها مجبرة على تليين مواقفها أو التراجع أو التنازل في سبيل تأليف الحكومة، خصوصاً وأن هذه القوى تدرك تمام الادراك بأن كل يوم يمر والأزمة الحكومة تدور في الحلقة المفرغة يكون البلد قد اقترب خطوات باتجاه الكارثة التي حذّر من الوصول إليها بالأمس رئيس الجمهورية ناهيك عن الاجراس المحلية والدولية التي تدق يومياً محذرة من المخاطر الاقتصادية والمالية التي تنتظر ​لبنان​ في حال بقي على ما هو عليه من صراع سياسي يحول دون ان يكون لديه حكومة مكتملة الاوصاف تكون قادرة على الإيفاء بالالتزامات اللبنانية تجاه المؤتمرات الدولية التي عقدت مطلع هذا العام لمساعدة لبنان.

ولعلّ المزاعم الإسرائيلية حول وجود انفاق من الأراضي اللبنانية باتجاه أراضٍ في شمال ​فلسطين​ المحتلة والمخاطر التي قد تنجم عن التهديدات والتهويلات الإسرائيلية على لبنان قد شكلا حافزاً لدى المسؤولين للقيام برحلة بحث جديدة عن آلية معينة يتم التفاهم عليها لإخراج التوليفة الحكومية من النفق.

فهل ينجح الرئيس عون في مسعاه الذي سيشكله اليوم بلقاء النواب السُنَّة المستقلين، بعد أن كان قد التقى بالأمس وفداً من «حزب الله»، وقبله الرئيسين نبيه برّي و​سعد الحريري​.

الإجابة على هذا السؤال ما تزال محكومة بشيء من الضبابية، كون أن أحداً من الأطراف المعنية لم يبدِ أي استعداد لتبديل موقفه، فالرئيس سعد الحريري الموجود في لندن والذي ربما يجري محادثات مع الوزير ​جبران باسيل​ الموجود أيضاً هناك للمشاركة في منتدى الأعمال والاستثمار اللبناني- البريطاني ما زال على رفضه توزير أحد النواب الستة، وبالمقابل فالنواب السُنَّة المستقلون يصرّون على تسمية واحد منهم مع تحديد الحقيبة، وكذلك فإن الرئيس عون لم يبدِ رغبته في توزير أحدهم من حصته ولو كان هذا الأمر حصل فالامور لم تعد بحاجة إلى مبادرة ولكانت الحكومة ولدت بعد ساعة من إعلان موقفه، كل ذلك يعني ان الحكومة ما تزال تدور في الحلقة المفرغة وإن كان البعض يأمل ان ينجح المسعى الرئاسي وتقدم الحكومة الجديدة هدية للبنانيين قبل حلول فترة الأعياد.

وفي هذا السياق فإن مصادر سياسية متابعة توقفت مليّاً امام التحذير الذي اطلقه الرئيس عون بعد لقائه نظيره النمساوي لجهة اعتباره أن سقوط مبادرته يعني الذهاب إلى الكارثة، ورأت هذه المصادر في هذا التحذير دلالة واضحة بأن الشرخ السياسي الذي يمنع ولادة الحكومة ما زال عميقاً، وانه لا بدّ من الذهاب في اتجاه الركون الى معادلة تبادل التنازلات، كون ان كل المبادرات والأفكار والطروحات التي تمّ تداولها على مدى أكثر من مائتي يوم لم تثمر أية نتائج وبالتالي فإنه لم يعد امام المعنيين الا التجاوب مع ما يطرحه رئيس الجمهورية لتجنب الانزلاق بالبلد إلى آتون المجهول، خصوصا وأن المخاطر المتأتيه من الداخل على المستوى المالي والاقتصادي، وتلك الناشئة عن التهديدات الإسرائيلية تستلزم تماسكاً داخلياً واستقراراً سياسياً يُمكّنان لبنان من مواجهة هذه المخاطر التي ستكون نتائجها كارثية على كافة الصعد إن هي حصلت لا سمح الله.

وتضع هذه المصادر الجولة التي قام بها السفير الفرنسي على كل من الرئيسين عون وبري وقائد الجيش في إطار التحذير الفرنسي من استمرار المأزق الحكومي، والخوف من انفلات الوضع الأمني على الحدود بين لبنان وإسرائيل، وهو حكماً حمل إلى المسؤولين رغبة فرنسية بضرورة الإسراع في تأليف الحكومة قبل ان يجد لبنان نفسه في مواجهة مخاطر لا قدرة له على تحمل اوزارها.

وتمنت المصادر ان لا تكون المبادرة الرئاسية مجرّد مبادرة لتحل محل الرسالة الرئاسية التي كان ينوي رئيس الجمهورية مخاطبة مجلس النواب من خلالها حول الوضع الحكومي، بعد ان سحبت هذه الفكرة من التداول نتيجة اصطدامها باعتراض من غالبية القوى السياسية وفي مقدمة المعترضين الرئيس المكلف سعد الحريري، فإذا كان الحال كذلك فإن ذلك يعني ان هذه المبادرة ستلقى المصير نفسه الذي لقيته المبادرات الأخرى، لا سيما المبادرة الأخيرة التي جال بها الوزير جبران باسيل على القوى السياسية ولم تعطِ أي نتائج، وفي حال كان العكس فإنه يؤمل ان تفتح كوة في جدار الأزمة تؤدي إلى ​نزع الألغام​ من امام التأليف ونكون امام حكومة في أقرب وقت.