يضعنا ​الإنجيل​ أمام جماعتين، سماوية وأرضية، تتكوّنان من تتألّف شخصيّات لَعِبت دوراً أساسيّاً في حدث التجسّد: مريم، يوسف، الملائكة، الرعاة، المجوس، هيرودوس...، وهؤلاء كلّهم شاهدوا ميلاد الربّ وعبّروا عن فرحهم بهذا الحدث العجيب، إلاّ أن منهم مَن أمرَ بقتل الصبّي!

سيكون موضوع تأملنا في ​تساعية الميلاد​ الحاضرة، بدورِ كلٍّ من هذه الشخصيّات المذكورة في حدث ميلاد الربّ، متوّقفين مذهولين معها بهذا الحدث العجيب الذي ملىء الزّمان والمكان، وفتح أبواب السماء على أمام الطفل الإلهي لينزل إلى عالمنا وينقٌلنا من الظلمة إلى النّور.

الملائكة المُذيعون البُشرى السّارّة(لو2: 8-14)

مقدمة

ليسَ حدثُ ميلادِ يسوع عادياً، فالمَلِك آتٍ ولا بُدَّ من أن تسبق موكبه صُفوف الملائكة (الحاشية السّماوية)، لكي تُعلِنَ عن الخبر المُفرِح، خبر مجيئة.

الإنجيل

"وكانَ في تِلْكَ النَّاحِيَةِ رُعَاةٌ يُقِيمُونَ في الـحُقُول، ويَسْهَرُونَ في هَجَعَاتِ اللَّيْلِ على قُطْعَانِهِم. فإِذَا بِمَلاكِ الرَّبِّ قَدْ وقَفَ بِهِم، ومَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ حَولَهُم، فَخَافُوا خَوفًا عَظِيمًا. فقالَ لَـهمُ الـمَلاك: "لا تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِلشَّعْبِ كُلِّهِ، لأَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ اليَوْمَ مُخَلِّص، هُوَ الـمَسِيحُ الرَّبّ، في مَدِينَةِ دَاوُد. وهـذِهِ عَلامَةٌ لَكُم: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا، مُضْجَعًا في مِذْوَد!". وانْضَمَّ فَجْأَةً إِلى الـمَلاكِ جُمْهُورٌ مِنَ الـجُنْدِ السَّمَاوِيِّ يُسَبِّحُونَ اللهَ ويَقُولُون:"أَلـمَجْدُ للهِ في العُلَى، وعَلى الأَرْضِ السَّلام، والرَّجَاءُ الصَّالِحُ لِبَني البَشَر".

1- ناقلوا البُشرى

يذكر لوقا الإنجيلي أنّ ملاكاً تراءى للرُّعاة السّاهرين على قُطعاتهم في الليل(لو2: 8)، وأنَّ جمهوراً من الجُند السّماوي انضموا فجأةً إلى الملاك الذي جاء يُبشّر الرُّعاة بميلاد المُخلّص(لو2: 13): فالملائكة شقّوا العُلى ونزلوا إلى ​بيت لحم​ مُسرعين هاتفين بالمجد الذي وُلِدَ من بنت داود بنوعٍ إلهي وسَبَّحوه بخوف.

قال الملاك للرّعاة: "لا تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِلشَّعْبِ كُلِّهِ، أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ اليَوْمَ مُخَلِّص، هُوَ الـمَسِيحُ الرَّبّ، في مَدِينَةِ دَاوُد"(لو2: 10). وقال جُمهور الملائكة: "أَلـمَجْدُ للهِ في العُلَى، وعَلى الأَرْضِ السَّلام، والرَّجَاءُ الصَّالِحُ لِبَني البَشَر"(لو2: 14).

2- أُبشّركم بفرح عظيم

ما هي طبيعة هذا الفرح، الذي دعا إليه الملائكة الرُّعاة؟ إنّه فرَح العبور، فقد عبَرَ يسوع إلينا عِبرَ مريم، لنَعبر بدورنا إلى السماء عبرَ يسوع.

يَنبع الفَرح المسيحي إذاً، من القناعة بأنَّ الربّ آتٍ ليُقيمَ معنا على الدّوام، فلم نَعُد متروكين ولا يتامى! لقد "تزوّج" الله بشريتنا، أَخذ حالتنا الإنسانيّة الضّعيفة على عاتِقِه، مُشابِهاً إيّانا في كل شيء، ما عدا الخطيئة، وذلك لكي يجعلنا أبناء الآب السّماوي.

نزل الله إلينا، لكي يُصعَدنا إليه! هذا هو سبب الفرح الأساسي: فرحُ الملائكة المذهولين من تواضع الله العجيب، وهُم خُدّامه. وفرَحُ الإنسان المُتلَقّي "البُشرى السّارة" التي لطالَما انتظرها من السّماء، بأن تُمطِرَ إليه الصدّيق الذي سيُخلّصها(أش45: 8).

3- يكون للشّعب كلّه

ليس هذا الفرح مُعدّاً لفئة مُعيّنة من الناس، بل لِكُلِّ الناس بحسب ما قاله الملاك:" يكون للشّعب كلّه" (لو2: 10). ليس أحداً مُستقصىً من هذا الفرح، بل الجميع مدعوين إليه: الأبرار والخطأة، الرّجال والنّساء والأطفال. الأغنياء والفقراء. الأشدّاء والضّعفاء. المتعلّمين والبُسطاء. البعيدين والقريبين. جميعهم مدعوون إلى هذا الفرح الذي قدّمه يسوع بمولِده: "فالله أرسل ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ، لا لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ"(يو3: 17).

هذه هي البُشرى السّارة التي نقلها الملائكة إلى العالم، مُقدّمين له سبب فرحه وحياته وخلاصه.

صلاة

"تَحَرَّكَ يَقِظو العُلى وَهَبَطوا أجواقاً أجواقا إلى بيت لَحمَ، لأنّهم رأَوا رَبَّهُم كالمِسكينِ مَلفوفاً بالأقمِطةِ ومُضطجِعاً في مِزوَد. رَنّمت طُغُمات السّماويينَ في بيتَ لحمَ قائلَةً هكذا: ألمجدُ لله في العُلى لِرَبِّ الأعالي والرّجاءُ الصّالِحُ لِبَني البَشَر آمين"(صلوات أسبوع الميلاد الماروني، مخطوط ​بكركي​ 66).