وفق مبدأ "لا غالب ولا مغلوب" جاءت صيغة الحلّ الحكوميّ التي تنتظر "الترجمة" خلال اليومين المقبلين، تمهيداً لولادة الحكومة، بعد تأخيرٍ دام سبعة أشهر، إذا لم تطرأ "تعقيدات" جديدة في ربع الساعة الأخير، تفرمل مجدّداً موجة "التفاؤل" المستجدّة.

وفقاً للمعنيّين، فإنّ جميع أطراف "الحلّ" رابحون بأتمّ معنى الكلمة، من ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ الذي "رعى" المبادرة، إلى "​اللقاء التشاوري​" الذي فرض تمثيله في نهاية المطاف، مروراً برئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ الذي وضع "فيتو" على نواب "اللقاء" الستّة.

وإذا كان "الخاسر الوحيد" من "الحلّ" هو الوقت الذي تمّت إضاعته على مدى أشهر، للوصول إلى حكومة كان يمكن أن تولد في بضعة أيام، ثمّة من يعتبر أنّ الرئيس عون فرض نفسه "الرابح الأكبر"، كون الحلّ ما كان ليبصر النور لولا مبادرته...

الكلّ تنازل؟

لا شكّ أنّ صيغة الحلّ لما سُمّيت بـ"العقدة السنية"، والذي بدأ تطبيقه في الساعات الماضية، حملت "تنازلات" بالجملة من كلّ الأطراف، خصوصاً إذا ما قورنت بما كان كلّ فريقٍ يطرحه قبل أيام فقط، وحتى بعد الإعلان عن "مبادرة" رئيس الجمهورية للحلّ.

فإذا كان "اللقاء التشاوري" من أهمّ الرابحين من دون شكّ، كونه نجح، بدعمٍ من "​حزب الله​"، في انتزاع تمثيلٍ وزاريّ كان الكثيرون يصرّون على أنّه ليس من حقّه، فضلاً عن "فرضه" على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الاعتراف به في نهاية المطاف، من خلال ترتيب لقاءٍ معه لطالما كان يرفضه، فإنّه قدّم في المقابل العديد من "التنازلات" نسبةً إلى السقف العالي الذي كان ينادي به.

ولعلّ خير دليلٍ على ذلك قبول "اللقاء" أن يتمّ تمثيله بشخصٍ من خارج إطار نوابه الستّة، بعدما كان يعتبر ذلك "إهانة" له، خصوصاً أنّ النواب الستّة منتخَبون شرعياً من قبل الشعب، ولا يجوز الاستخفاف بهم، ما كان يدفعه إلى الإعلان صراحةً أنّ أيّ "مبادرة" تقضي بتسمية أحدٍ غيرهم للمقعد الوزاري "ميتة" من الأصل. كما أنّ من "التنازلات" التي قدّمها، قبوله أن يتمثّل من ضمن حصّة رئيس الجمهورية، وهو ما كان عددٌ من أعضائه يرفضونه جهاراً، على اعتبار أنّهم يفترض أن يكونوا من الحصّة السنّية الصافية، ما يعني أنّهم كانوا يطالبون بمقعد من حصّة الحريري، ترجمة لنتائج الانتخابات النيابية التي قلّصت حضوره.

ويسري الأمر نفسه على الحريري، الذي وإن اعتبره كثيرون "منتصراً" بصيغة الحلّ، كونه لم يخسر أيّ مقعدٍ من الحصّة المحسوبة له منذ اليوم الأول، ولم يوزّر أحداً من النواب الستّة في حكومته، وإن قبل بتوزير أحدٍ من "المحسوبين عليهم" من خارج حصّته، قدّم بدوره العديد من التنازلات التي تناقض ما كان يرفعه من شعارات وطروحات.

ولعلّ "التضحية" الأولى قبوله بلقاء أعضاء "اللقاء التشاوري"، في اعترافٍ بحيثيّتهم، بعدما كان يرفض مجرّد الاجتماع بهم، الأمر الذي كان يعيبه الكثيرون عليه، باعتبار أنّه ليس تصرّف رجل دولة مسؤول، يفترض أن يكون منفتحاً على لقاء جميع النواب، اتفق معهم أم اختلف، من دون قيود أو شروط. وتبقى "التضحية" الأهمّ أنّ وزيراً سنياً محسوباً بالحدّ الأدنى على قوى "8 آذار" سيكون في الحكومة، بعدما كان "خطاً أحمر" بالنسبة إليه، هو الذي يقول البعض إنّه كان يطرح بعض "القيود" حتى على الوزير السنّي "المستقلّ" الذي كان يفترض أن يختاره رئيس الجمهورية بموجب اتفاق "التبادل" بينهما.

"الرابح الأكبر"...

ومثلما قدّم رئيس الحكومة و"اللقاء التشاوري" تنازلاتٍ بالجملة في مقابل مكاسب معنويّة حقّقاها في طريق الحلّ الحكوميّ، يمكن القول إنّ رئيس الجمهورية ومن خلفه "​التيار الوطني الحر​" قدّما أيضاً العديد من التنازلات، من كيسهما، في سبيل تعبيد الطريق أمام الحلّ الحكوميّ.

ولعلّ "التنازل" الأساسي على هذا الصعيد، كان قبول رئيس الجمهورية أن يأتي الحلّ من حصّته، علماً أنّ هذا الحلّ كان مطروحاً منذ اليوم الأول، ولكنّه كان مرفوضاً تحديداً من رئيس "التيار" الوزير ​جبران باسيل​، وفقاً للعديد من التسريبات الصحافية، بسبب ما كان يوصف بإصرار الأخير على نيل "الثلث" في الحكومة، بمعزل عن توصيفه، سواء كان "ضامناً" أو "معطّلاً".

إلا أنّ هذا "التنازل"، على أهميته ورغم تأخيره، لا يمنع، برأي كثيرين، اعتبار عون "الرابح الأكبر" خلف كلّ ما حصل، أولاً لأنّ مبادرة الحلّ هي مبادرته، وبالتالي أنّ الحل ما كان ليبصر النور لولا جهوده، وهو الأمر الذي له "سوابق" أصلاً، في العقدتين الدرزية والمسيحية، اللتين لعب هو دوراً أساسياً في حلّهما، وهو دورٌ يقول البعض إنّه أتى على حساب رئيس الحكومة المكلف، الذي ظهر "ضعيفاً"، غير قادرٍ على تشكيل حكومته، من دون "وساطاتٍ" من هنا ومن هنالك.

وإذا كان صحيحاً أنّ الدور الذي لعبه عون لم يأتِ "كرمى لعيون" أحد من هذا الفريق أو ذاك، بل لأنه شعر بأنّ "العهد" سيكون "الخاسر الأكبر" إذا ما استمرّ التعطيل الحاصل، والذي ينعكس شللاً في مؤسسات الدولة، في وقتٍ هي بأمسّ الحاجة إلى النهوض، فإنّه استطاع أن يقلب المعادلة، ليتحوّل "العهد" إلى "الرابح الأكبر"، باعتبار أنّ "سيّده" برعايته مبادرة الحلّ، أوصل رسالة مفادها بأنّ المطلوب من الجميع تقديم التنازلات من أجل الصالح العام، وإن كانت موازين "الربح" تبقى مرهونة بالآتي بعد ولادة الحكومة، حين يصبح "العهد" أمام الامتحان الحقيقي.

الامتحان الحقيقي

بعيداً عن حسابات الربح والخسارة التي يتباهى مختلف الأفرقاء برفعها اليوم، ثمّة من يقول إنّ الجميع في المبدأ خاسرون، بمعزلٍ عن بعض المكاسب المعنوية الآنية التي لا تقدّم ولا تؤخر. ولعلّ الخسارة تكمن في "الوقت الضائع" الذي مرّ منذ تكليف الحريري تأليف الحكومة حتى اليوم، والذي نقل البلاد إلى "المجهول"، وكاد يؤدي إلى "الانهيار التام".

انطلاقاً من ذلك، يمكن القول إنّ "العهد" اليوم أمام "الامتحان الحقيقي" بعد ولادة الحكومة، فإما يشمّر عن زنوده لاستعادة "هيبته" وتعويض ما فات، وإما يثبّت "العجز" إذا ما انتقل "الشلل" إلى داخل الحكومة، تماماً كما كان يحصل في العهود السابقة...