في الوقت الذي عادت فيه الإضرابات وإحتجاجات الشارع من جديد، يتواصل المدّ والجزر على صعيد فرص تشكيل الحُكومة. فما هي آخر المعلومات بهذا الشأن؟ وما هي الصيغ الحُكوميّة التي سقطت وتلك التي لا تزال القابلة للحياة؟ وهل فعلاً بات تشكيل الحُكومة مُرتبطًا بعقد خارجيّة أضيفت إلى العقد الداخليّة؟.

بالنسبة إلى طروحات الحلّ التي سقطت خلال الأيام والساعات القليلة الماضية، فأبرزها مسألة توسيع الحُكومة إلى 32 وزيرًا، بحيث ينال "التيّار الوطني الحُرّ" وزيرًا سريانيًا عن الأقليّات المسيحيّة، في مُقابل تنازله كليًا عن الوزير السُنّي من حصّته لصالح نوّاب "​اللقاء التشاوري​"، وينال رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ وزيرًا علويًا على أن يُعيد الوزير السُنّي الذي كان من حصّته إلى رئيس الحُكومة المُكلّف ​سعد الحريري​ الذي ترتفع حصّته إلى خمسة وزراء سُنّة إضافة إلى وزير ماروني. لكنّ الحريري رفض هذا الطرح، بحجّة أنّ تمثيل العلويّين سيتحوّل إلى عرف دائم في الحُكومات المُقبلة، ما سيُوجد خللاً ليس على الصعيد التوازنات الطائفيّة باعتبار أنّ المسيحيّين سيتمثّلون بدورهم بوزير عن الأقليّات المسيحيّة (مُداورة بين المذاهب المختلفة)، وإنّما على الصعيد المذهبي داخل الطائفة الإسلاميّة، بحيث سيُصبح التمثيل الدائم 3 وزراء دروز و6 وزراء سنة و6 وزراء شيعة إضافة إلى 1 علوي.

وقد جرت مُحاولات أخرى، لتصغير الحُكومة بدلاً من توسيعها، بحيث يتم تشكيلها من 24 وزيرًا فقط، بدلاً من 30 أو 32، وذلك عبر التخلّص من وزارات الدولة الست. وفي هذه الحال تتراجع حصّة كل الوزراء المسيحيّين من 15 إلى 12 وزيرًا، وحصّة المُسلمين من 15 إلى 12 أيضًا، على أن تخسر كل من المذاهب الكبرى وزيرًا واحدًا من حصّتها بشكل عادل بين الجميع. لكنّ رفض هذه الصيغة جاء هذه المرّة من جانب "​حزب الله​" ومن يُمثّل، باعتبار أنّ "الحزب" مُصرّ على تمثّل نوّاب "اللقاء التشاوري" بوزير، بغضّ النظر عن العدد الإجمالي للوزراء، أكانوا 30 أو 24 أو حتى 18 وزيرًا. وبالتالي، جرى صرف النظر عن هذه الفكرة أيضًا بعد أن كان البعض يظنّ أنّه يُمكن التخلّص من عقدة تمثيل "اللقاء التشاوري" عبر حصر التمثيل بالأحزاب وبالقوى السياسيّة الكبرى فقط.

وبالنسبة إلى طرح الحلّ الذي لا يزال محلّ أخذ وردّ حتى لحظة إعداد هذا المقال، فهو يُبقي على الحكومة الثلاثينيّة من دون تغيير على مُستوى التوازنات العامة والحقائب، تجنّبًا لمزيد من العراقيل والخلافات، على أن يتنازل رئيس الجُمهوريّة عن الوزير السُنّي من حصّته لصالح تمثيل نوّاب "اللقاء التشاوري" بشكل غير مُباشر، أي عبر شخصيّة يُسمّونها(1). وبعد أن كشفت "​النشرة​" أنّ "التيّار الوطني الحُرّ" وافق على أن لا تحضر هذه الشخصيّة السُنّية إجتماعات تكتّل "لبنان القوي" تأكيدًا على إستقلاليتها، علم أنّ المطلب الذي بقي عالقًا يتمثّل في أن تبقى هذه الشخصيّة السُنيّة من حصة رئيس الجمهورية، أي أن تُصوّت مع وجهة تصويت وزراء الرئيس على طاولة مجلس الوزراء، لكنّ هذا الأمر رُفض من جانب نوّاب "اللقاء التشاوري" الذين أصرّوا على أن يحضر الوزير السُنّي السادس إجتماعات كتلتهم، وأن يلتزم بالتصويت لصالح كتلتهم حصرًا، الأمر الذي أعاد الأمور إلى نقطة الصفر.

ولا شكّ أنّ الساعات والأيّام القليلة المُقبلة حاسمة لجهة تشكيل الحُكومة من عدمه، بسبب جملة من الأسباب المنوّعة، والتي تبدأ بضغط الإحتجاجات والإضرابات في الشارع، وتمرّ بالعد العكسي لإنعقاد القمّة العربيّة الإقتصاديّة في بيروت بعد نحو أسبوعين، ولا تنتهي بعدم تفويت فرصة الإستفادة من المُساعدات المالية التي أقرّت في مؤتر "سيدر" الأخير. وفي هذا السياق، ليس بسرّ أنّ إحتجاجات الشارع التي بدأت في 23 كانون الأوّل الماضي، عادت لتكون سلاحًا خفيًا للضغط في أكثر من إتجاه، حيث تنطلق الدعوات بداية من جهات مجهولة أو أقلّه غير فاعلة على الخريطة السياسيّة، قبل أن يتم تبنّيها من قوى ومن نقابات مختلفة، في ظلّ تقبّل من الرأي العام لهذا التوجّه، إحتجاجًا على الأوضاع العامة، ومن دون الغوص في خلفيّاتها السياسيّة الحقيقيّة. ولا شكّ أيضًا أنّ عدم ​تشكيل الحكومة​ قبل موعد إنعقاد القمة الإقتصادية العربيّة في بيروت، يعني حُكمًا خفض مُستوى تمثيل الوُفود العربيّة، الأمر الذي سيؤثّر سلبًا على النتائج المُنتظرة من القمّة.

وبالنسبة إلى ما يُحكى عن تداخل العقد الداخلية مع عُقد خارجيّة، يتردّد أنّ "حزب الله" وبعد التغييرات في المنطقة، خاصة تلك التي تصبّ في صالح النظام السُوري، لم يعد يقبل بتمثيل ضعيف لقوى "8 آذار" في الحُكومة، حتى لو كان التحالف الإستراتيجي مع "التيّار الوطني الحُرّ" لا يزال متينًا. ويتردّد في المُقابل، أنّ رئيس الحُكومة المُكلّف سعد الحريري ليس مُستعدًا لتقديم التنازلات، لأنّ الخلاف لم يعد معه، بل صار بين "التيار الوطني الحُرّ" من جهة و"حزب الله" ونوّاب "اللقاء التشاوري" من جهة أخرى، وبالتحديد بشأن تموضع الوزير السُنّي السادس ووجهة تصويته خلال جلسات الحُكومة. وتُوجد نظريّة مُوازية تقول إنّ الحريري غير مُستعجل لتشكيل الحكومة قبل موعد إنعقاد القمة العربيّة، حتى لا يُصبح مُضطرّا-بصفته الرسميّة عندها، للتجاوب مع الدعوات والضُغوط المُطالبة بتمثيل سوريا في القمّة، خاصة في ظلّ الإنفتاح العربي المُتصاعد على النظام السُوري، ولوّ بشكل تدريجي وبحكم الأمر الواقع الجديد في المنطقة.

وفي الختام، وبموازاة بعض نفحات التفاؤل، رأى الكثير من المُراقبين في كلام رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أمام النواب الذين يزورونه دوريًا كل يوم أربعاء، بشأن ضرورة إحياء حُكومة تصريف الأعمال لإقرار المُوازنة العامة، مؤشّرًا سلبيًا بأنّ الحلول الحُكوميّة لا تزال مُتعثّرة حتى إشعار آخر.