في خضم الفراغ الحكومي وتوقف محاولات ​تشكيل الحكومة​ اللبنانية، واستعداد لبنان لاستقبال الوفود العربية للمشاركة بالقمة الاقتصادية التنموية، وما رافقها من توتير للأجواء بين عين التينة وبعبدا، تأتي زيارة وكيل ​وزارة الخارجية الأميركية​ للشؤون السياسيّة ​ديفيد هيل الى بيروت، فما هي أهداف الزيارة؟.

تتغير الوقائع السياسية في المنطقة، فقرار الانسحاب الأميركي من ​سوريا​ خلق جوا مريحا لبعض القوى ومتوترا للبعض الآخر، خصوصا وأن هدف الانسحاب لم يُفهم بعد، ولم يُعرف حتى ما اذا كان قرار الانسحاب حقيقيًّا أم وهميًّا. كل هذه الظروف تعطي للتحركات الاميركية في المنطقة أهمية كبرى، فتسلط عليها الضوء.

يزور ​دايفيد هيل​ لبنان في تزامن مقصود مع زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الى المنطقة في جولة مكوكيّة بدأها بزيارة العراق، مصر، البحرين، الإمارات، وقطر، مرورا بالسعودية، الأردن، سلطنة عمان واخيرا الكويت التي لن يزورها حاليا بسبب سفره الى واشنطن لأسباب عائلية. وفي هذا السياق يرى المحلّل السياسي ​جوني منيّر​ أن الزيارتين لا تنفصلان وإن كان قدوم هيل الى لبنان لا بومبيو له دلالات خاصة تشير الى أن لبنان لا يقع ضمن الاولويّات الاميركيّة في المنطقة حاليّا.

ويضيف منيّر في حديث لـ"النشرة": "زيارة هيل هي تكملة لزيارة وزير الخارجية الأميركي للمنطقة من اجل محاولة استيعاب النتائج السلبية لقرار الانسحاب الأميركي من سوريا، خصوصا بعد التقارير التي تحدثت عن قلق لدى القوى الحليفة لواشنطن من تداعيات الانسحاب واحتمال أن يصبّ في صالح ​إيران​، لذلك تأتي الزيارة لتحاول تبديد هذا الامر".

لا يرى منيّر أن الزيارة الاميركية للمنطقة ولبنان تحمل شيئا جديدا على المستوى العملي بل هي معنوية لرفع معنويات حلفاء واشنطن، بدأها بومبيو بكلام عالي النبرة في مصر بوجه إيران و​حزب الله​، مشيرا الى انّها تهدف فقط لمنع انهيار حلفاء أميركا في المنطقة، مشددا على أن الاميركي يعلم قوّة الإعلام اللبناني وانتشاره عربيّا وخليجيّا وبالتالي فإن رفع سقف الخطاب باتّجاه لبنان سيصل للمعنيين به.

من جهته يتفّق المحلل السياسي ​نوفل ضو​ منيّر أن زيارة هيل للبنان تشابه بأهدافها زيارة بومبيو للمنطقة، اذ تريد الولايات المتحدة الأميركية أن تقدّم رسائل واضحة لكل المعنيين بشأن موقفها من التطورات السياسيّة والنشاط الإيراني، لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم وتعريفهم على التوجهات الأميركيّة الجديدة، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أنّ مثل هذه الزيارات عادة ما تحمل معها ضغوطا أو تمنيّات تجعل من الضروري إجراء الحسابات السياسيّة من قبل المسؤولين بالدول لرسم طريقة التعاطي معها.

من جانبه، يكشف منيّر أن الزيارة الأميركية لبيروت لا جديد فيها، وعلى الرغم من اتّهام ​اسرائيل​ للجيش اللبناني بأنه يتبع لحزب الله، سيحصل على مزيد من المساعدات الاميركيّة بالوقت الذي تمّ فيه تخفيض موازنة المساعدات الأميركية لجيوش عربيّة أخرى، وفي ذلك دلالة إضافية على أن الزيارة الاميركية معنويّة وليست عملية ولن ينتج عنها أيّ تداعيات على الأرض.

بالمقابل، يكشف ضو أن في مثل هذه الزيارات لا يُصار فيها الى مناقشة التفاصيل، فالولايات المتحدة الأميركية تريد وضع استراتيجيتها لمواجهة إيران وتفاصيل المشروع الإيراني موضع التنفيذ، وما على المسؤولين في لبنان سوى أن يتحلوا بالذكاء والإدراك لتكييف هذه القرارات مع الهدف الأساسي الذي هو إبقاء لبنان بمعزل عن النتائج السلبيّة للتطورات الإقليميّة.

اذا، تختلف النظرة لزيارة المبعوث الأميركي الى لبنان، ولكن ممّا لا شك فيه أن المنطقة تمرّ بتحولاّت كبيرة على بعد شهر واحد من القمّة الدوليّة المخصّصة في بولندا لمواجهة النفوذ الإيراني. فهل سيبقى لبنان بمعزل عنها؟.

* الصورة من دالاتي ونهرا