تعيش ​فنزويلا​ لحظات حرجة في تاريخها بفعل الانقسام الحاد الذي يسود هذا البلد حالياً، بعد ان اعلن رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية خوان غايدو توليه مهام الرئاسة لفترة انتقاليّة، في خطوة رفضها بشكل تام الرئيس الحالي ​نيكولاس مادورو​. الوضع الحالي في هذا البلد لا يبشّر بالخير، فالانقسام الحاد اخذ منحى جديداً بفعل "تمترس" كل من الرجلين خلف قوة عظمى تحميه، اذ اعلنت ​الولايات المتحدة​ الاميركية بشكل فوري دعمها لغايدو فيما وقفت ​روسيا​ خلف مادورو منتقدة طريقة تصرف ​اميركا​ والغرب مع المسألة.

وفي عرض سريع وعفوي لنقاط القوة والضعف، يبدو ان وضع مادورو دقيق وحرج، للاسباب التالية:

-لا يتمتع غايدو بدعم ​واشنطن​ فقط، بل انضمّت غالبيّة دول اميركا اللاتينيّة اليها، اضافة الى ​الاتحاد الاوروبي​ في تأييد زعيم المعارضة الفنزويليّة لتولي مهام الرئاسة. واللافت ان من بين الدول المؤيّدة، تلك المرتبطة بحدود مباشرة مع فنزويلا (​كولومبيا​ و​البرازيل​)، ما يعني تمتّع واشنطن بقدرة على ممارسة ضغوط عبر الدول الاخرى على الصعيد الاقتصادي والمعيشي للاطاحة بمادورو، اذا لم يكن الحل العسكري مطروحاً على الطاولة.

-يتوق الشعب الفنزويلي للتغيير، فبعد فترة ​هوغو شافيز​، لم يعرف الفنزويليون استقراراً اقتصادياً يخوّلهم الراحة والتخطيط للمستقبل، ف​الوضع الاقتصادي​ يتجه من سيّء الى أسوأ، بغض انظر عما اذا كانت السيّاسة الاميركيّة تقف وراء هذا الامر ام لا، لأنّ الواقع بات مأزوماً والتأييد الشعبي الذي يحصل عليه غايدو يتصاعد وقد يشكل عاملاً اساسياً في حسم الصراع على السلطة.

-يجد مادورو نفسه امام وضع دقيق، فهو طالب اميركا بمغادرة فنزويلا، فيما اعلنت ​الادارة الاميركية​ انها ستبقى في هذا البلد نزولاً عند طلب غايدو الذي تعترف فيه رسمياً، وبالتالي فإن أيّ محاولة لإجبار الاميركيين على المغادرة ستعتبر بمثابة اعتداء عليهم، وقد تؤدي الى تدخل عسكري لحمايتهم وفق ما أكّده وزير الخارجية الاميركي ​مايك بومبيو​ مؤخّرا.

اما على الجانب الآخر، فيمكن لمادورو الاعتماد على دعم معنوي وتدخل غير مباشر من روسيا و​المكسيك​ وكوبا، ولكن الاعتماد الرئيسي سيكون على ​الجيش​ الفنزويلي الذي أعلن رفضه لما حصل من "انقلاب" أبيض ونيّته الحفاظ على المؤسسات والامن. وقد اثبت الجيش بالفعل ولاءه لمادورو كرئيس حين أحبط في شهر آب الفائت محاولة اغتيال للرئيس الفنزويلي عبر طائرات مسيّرة. ومن الواضح ان الرئيس الحالي يرى قدرة روسيا على إفشال أيّ "تصريح رسمي دولي" لقلب الاوضاع في فنزويلا من خلال رفضها أيّ مشروع قد يبحث في ​مجلس الامن​ حول هذه المسألة والسماح باستخدام القوة، وبالتالي يجد مادورو نفسه في مأمن دبلوماسي من الخطر، انما التهديد الفعلي يكمن في عدم قدرة ​موسكو​ على انقاذه اقتصادياً خصوصاً مع انضمام الدول الحدوديّة للحلف الآخر الذي يهدف الى الاطاحة بمادورو، وقد يكون البحر الكاريبي المنفذ الوحيد للدعم، كما يمكن الرهان ايضاً على التهريب عبر الحدود كونها طويلة ولا يمكن مراقبتها بشكل دقيق.

ومن الممكن أن ترى الولايات المتحدة نفسها امام حلّين: إمّا الرهان على "ثورة" الشعب عبر الضغط الاقتصادي القاسي، واما الدخول في حرب أهليّة بعد تسليح المعارضة لمواجهة الجيش وانهاكه عبر عمليات كرّ وفرّ و​اشتباكات​ على اكثر من محور ومنطقة...

اما الحلّ الثالث الباقي، فقد يكون أسهل بكثير ويقضي باجراء مفاوضات مع روسيا لمعرفة الثمن الذي يجب دفعه (أكان سياسياً ام اقتصادياً) للتخلي عن دعمها لمادورو الذي لن يجد ملاذاً بعد سقوط الورقة الروسيّة، في ظلّ عدم استعداد اميركيّ للتدخل العسكري الكبير كونه سيجرّ عليها الكثير من الويلات وقد تحصد نتائج عكسيّة لمثل هذه الخطوة.

غايدو ام مادورو؟ القوى العظمى هي التي ستقرّر وفي كل الاحوال، فإن الفنزويليين هم الذين سيدفعون الثمن.