قبل نحو أسبوعين تقريباً، غاب رئيس حزب «القوات ال​لبنان​ية» ​سمير جعجع​ عن المشهد السياسي اللبناني، بعدما سافر وزوجته ستريدا الى الخارج، حيث شوهد آخر مرة في مطار باريس عبر شريط انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم ما لبثت أخبارُه أن انقطعت، ما أفسح المجال امام تفسيرات شتى كان أكثرُها رواجاً خلال الأيام الاخيرة «التفسير الصحّي»، حيث شاع أنّ سبب غيابه الطويل هو تلقيه العلاج الطبي في احد مستشفيات ​الولايات المتحدة​ بعد إصابته بمرض صعب.

وما زاد ارتياب البعض في الاسباب الحقيقية لابتعاد جعجع هو أنه لم يُسجّل أيّ حضورٍ علني أو «أثر» شخصي له منذ سفره، فيما كانت روزنامة الساحة الداخلية تزدحم بمحطات أساسية، من قبيل «اللقاء الماروني» في بكركي والقمة الاقتصادية العربية في بيروت، الى جانب المخاض الحكومي المستمر وتفاقم المخاطر المالية والاقتصادية وغيرها من الملفات، الأمر الذي طرح علامات استفهام حول دوافع مغادرته وزوجته لبنان في هذا التوقيت بالذات.

لكنّ التدقيق في «خفايا» رحلة جعجع أظهر انها مرتبطة أساساً برغبة الرجل في الابتعاد عن ضغوط «ماكينة» العمل اليومي في معراب، والوقوف على مسافة من تفاصيل الواقع اللبناني، في سياق التأمّل الهادئ ومراجعة المرحلة السابقة، وبالتالي ليست هناك أيّ اعتبارات صحية خلف سفره، وهو في صحة جيدة، حسب ما يؤكد القريبون منه.

وعُلم أنّ مسؤولين سياسيين وإعلاميين في «القوات» هم على تواصل شبه يومي مع جعجع شخصياً، في اطار التشاور حول طريقة مقاربة القضايا الملحّة، والمواقف التي يجب أن تُتخذ حيالها. وضمن هذا الاطار، واكب جعجع من مكان وجوده في احدى الدول الاوروبية الاجتماع الماروني الموسّع في بكركي، حيث أصدر تعميماً بوجوب مشاركة جميع نواب «القوات» ​الموارنة​ في هذا الاجتماع الذي كان متحمِّساً له.

وعندما استفسر أحد كوادر «القوات» من جعجع عمّا إذا كان يحبّذ نشر نفي للأنباء المتعلقة بوضعه الصحي، إرتأى تجاهلها وعدم إصدار أيّ توضيح أو نفي لها، معتبراً أنه «لا يجوز أن نتحرك على إيقاع الأقاويل، وعودتي في الأيام المقبلة ستكون هي أفضل تكذيب لكل ما أُشيع في شأن مرضي».

ويوضح العارفون بـ»مزاج» جعجع أنّ الرجل يميل، ولو مرة كل عام تقريباً، الى ممارسة إحدى هواياته المفضلة وهي القراءة السياسية من بُعد، والتعمّق في المشهد اللبناني من خلف الحدود، بمعزل عن الصخب اليومي والاستقبالات المتلاحقة في معراب، وهو كان يخطط للذهاب في الرحلة الحالية بعد ​الانتخابات النيابية​ الأخيرة، لكنّ التأخير في ​تشكيل الحكومة​ دفعه الى إرجائها حتى ما قبل عيد الميلاد بالترافق مع ظهور مؤشرات الى قرب الولادة الحكومية آنذاك، إلّا أنّ استمرار المراوحة دفعه الى حسم أمره والسفر عقب عيدَي الميلاد ورأس السنة.

وحماسة جعجع لرحلة «التقاط الأنفاس» ترافقت مع إقتناعه بأنّ زمن تقديم الخدمات المجانية وخوض المواجهات بالوكالة قد انتهى، بعدما بيّنت له التجارب أنّ الحلفاء، كما الخصوم، لا يتردّدون في بيع «القوات» في أيّ مناسبة، إذا اقتضت مصالحُهم ذلك، وبالتالي فإنّ جعجع يعتبر أنّ اتّخاذ المواقف المبدئية في القضايا الوطنية هو السقف الكافي في هذه المرحلة، من دون المبالغة في خوض معارك سياسية خدمةً لأحد أو نيابةً عن أحد.

وإذا كان جعجع قد اختار الإقامة في «الظلّ» لبعض الوقت، قبل العودة الى بيروت خلال الايام المقبلة، إلّا أنّ «راداره» لم يتوقف عن التقاط ما يهمّه، كما حصل حين تبلّغ مواقف أطلقها الدكتور ​فارس سعيد​ في مقابلة تلفزيونية كرّر فيها اعتراضَه على انتخاب العماد ​ميشال عون​ رئيساً للجمهورية، معتبراً أنّ جعجع انتخب عون الذي سلّم البلد الى «حزب الله»، وهو ما فهمه رئيس «القوات» اتهاماً ضمنيّاً له بتسليم البلد الى «الحزب». على الفور، اتصل جعجع بأحد مسؤولي «القوات»، وأبلغ اليه أنه كان يجب الرد على سعيد وعدم تجاهل ما أدلى به لأنه ينطوي على اتّهامٍ غير صحيح لـ»القوات».