نص ​الدستور اللبناني​ على تولّي رئيس ​الحكومة​ المكلّف مهمة ​تشكيل الحكومة​، بالاتفاق مع ​رئيس الجمهورية​، إلا أن ما حصل في المرحلة الأخيرة، مع ​سعد الحريري​، أكد بما لا يقبل الشك أنّ الأعراف، الناتجة عن التجارب السابقة، انتصرت على ما ينصّ عليه الدستور.

بالنسبة إلى الكثيرين، هذا الواقع هو الترجمة العمليّة لاتّفاق ​الدوحة​، الذي ولد بعد أحداث السابع من أيار 2008، لكن البعض يحمّل الحريري شخصياً التحوّلات التي طرأت على مستوى دور رئيس الحكومة.

من وجهة نظر مصادر سياسيّة مطّلعة، فتحت الأزمة الحكوميّة الباب أمام موجة واسعة من التساؤلات الدستوريّة، أبرزها يتعلّق بالمهلة التي لدى رئيس الحكومة المكلف لإنجاز مهمّته، خصوصاً أنّ الدستور لم يحدّد أيّ مهلة واضحة، الأمر الذي يتطلب معالجته سريعاً كي لا تبقى مفتوحة، وتشير إلى أنها من المفترض أن تنطلق من مبدأ الحثّ على الإسراع في التشكيل.

بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا التعديل لا يمكن أن يصوّر على أساس أنّه موجه ضدّ رئيس الحكومة المكلّف، بل يعني الجميع، لا سيما عندما يكون هناك إتفاق على عدم وجود بديل عن المكلّف، وبالتالي المهلة ستضع الجميع أمام مسؤوليّاتهم قبل العودة، عند وجود أزمة، إلى المربّع الأول، وتضيف: "4 أشهر قد تكون المهلة المنطقيّة، بالنظر إلى التجارب السابقة".

على الرغم من ذلك، ترجّح المصادر نفسها أن يغيب هذا الطرح في الفترة المقبِلة، نظراً إلى أنّ أحدًا لن يعمد إلى فتح هذه المشكلة بعد ولادة الحكومة، لا سيما أنها ستواجه برفض كبير من قبل الأوساط السنية، التي ستعتبر الأمر مسًّا بصلاحيات رئيس الحكومة، لتعود إلى الواجهة من جديد عند تشكيل أيّ حكومة مقبلة.

من جهة ثانية، تعتبر مصادر نيابيّة، عبر "​النشرة​"، أنّ الحريري هو الخاسر الوحيد بعد تشكيل الحكومة، خصوصاً أنه أظهر، خلال مرحلة التأليف، تخلّيه غير المسبوق عن دوره، خصوصاً مع بروز عقدة تمثيل النواب السنّة المستقلين، لدرجة أنّ أغلب الأفرقاء عملوا على معالجة هذه العقدة باستثنائه هو، وتضيف: "هذا الواقع لا يمكن أن يمر مرور الكرام، لأنه الاستهداف الأول لصلاحياته".

وترى المصادر نفسها أن الحريري هو المسؤول عن ما حصل، نظراً إلى أن أي فريق من المنطقي أن يسعى إلى توسيع دوره عندما يغيب الأصيل، وتؤكّد أن هذا الأمر سيكون له تداعياته لدى تشكيل أيّ حكومة في المستقبل، لا سيما لناحية دور ​الكتل النيابية​ في التأليف.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المصادر نفسها أن رئيس الحكومة خسر معركة أساسيّة على الساحة السنّية، تتعلّق بتمثيل النواب من خارج تيّار "المستقبل"، على ضوء نتائج الإنتخابات النيابيّة، حيث بات عليه التعامل مع شركاء جدد، لا يقتصرون على رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​، الذي إختار الشراكة معه من تلقاء نفسه، بل يشملون النواب السنّة المستقلين، الذين حصلوا على وزير رغماً عن ارادته، وهذا الأخير هو ​حسن مراد​، نجل أبرز منافسي الحريري في ​منطقة البقاع​ الغربي النائب ​عبد الرحيم مراد​، الذي سيسعى إلى الإستفادة القصوى من هذا الموقع.

انطلاقاً من ذلك، تجزم هذه المصادر بأنّ رئيس الحكومة سيواجه منافسة شرسة على الساحة السنّية، لا سيما إذا ما نجح خصومه على طاولة ​مجلس الوزراء​ في إثبات أنفسهم، في حين هو لم ينته حتى الساعة من لملمة أوضاعه تياره السياسي الداخليّة، ويواجه معضلة أخرى متعلقة بالانفتاح العربي على ​سوريا​.

في المحصّلة، يواجه رئيس الحكومة تحدّيا من نوع خاص، بالإضافة إلى التحدّي المتعلّق بنجاح حكومته في ظلّ الأوضاع الصعبة التي تمرّ بها البلاد، فرص نجاحه في تجاوزه صعبة.