كان من المفترض أن تنتهي جلسة مناقشة ​البيان الوزاري​ مساء الأربعاء الماضي، أيّ قبل العطلة الرسميّة بذكرى إغتيال رئيس ​الحكومة​ الراحل ​رفيق الحريري​، إلا أن عدد طالبي الكلام الكبير اضطر رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ إلى الطلب من النواب إلغاء مواعيدهم، اليوم وغداً السبت، لإستكمال الجلسة.

وعلى الرغم من أن البعض قد يظنّ أن هذه "الحماسة" قد تكون أمراً إيجابياً، لا سيّما أن "حكومة إلى العمل" هي الأولى بعد الإنتخابات النيابيّة، التي جاءت بعد 9 سنوات من ​التمديد​ لولاية المجلس السابق، إلا أن الوقائع تثبت العكس، خصوصاً أن أغلب الخطابات لا علاقة لها بمضمون الجلسة لا من قريب ولا من بعيد، بينما سيطرت على المواقف مجموعة من "البدع" أو المفاهيم ​الجديدة​.

قبل إنطلاق الجلسة، كان عدد طالبي الكلام قد وصل إلى أكثر من 60 نائباً، إلا أن بعضهم طلب سحب اسمه، لكن السؤال هو حول ما يريد أن يطرحه هؤلاء طالما أن معظمهم سيعمد إلى منح الحكومة الثقة في نهاية الجلسة، خصوصاً أن أغلب الكتل النيابيّة ممثّلة على طاولة ​مجلس الوزراء​، وبالتالي كان من الأفضل أن تذهب كل كتلة إلى إختيار متحدّث باسمها يعبر عن وجهة نظرها من مختلف الملفات المطروحة في البيان الوزاري، مع العلم أن تلك التي تصنف في "الموالاة" من المفترض أن تكون علّقت عليها سابقاً، خلال صياغته من قبل اللجنة الوزارية أو عند إقراره في الحكومة.

النقطة المركزيّة على هذا الصعيد لا تتعلق بالبيان الوزاري، بل في نقل وقائع هذه الجلسة عبر وسائل الإعلام مباشرة على الهواء، ما دفع ممثّلو الأمة إلى إعتبار أنها منبراً لتوجيه الرسائل إلى الناخبين، الأمر الذي أدّى إلى تحويل هدفها من مناقشة البيان إلى مسرح لطرح الملفّات السياسيّة والإنمائيّة، بالإضافة إلى إطلاق خطابات ​مكافحة الفساد​، المستمرّة منذ سنوات طويلة، التي لم تفضِ إلى توقيف فاسد واحد في الجمهوريّة، ما يدفع إلى التساؤل عمّا إذا كانت جدّية، خصوصاً أنها تكرار لحديث المواطنين العاديين، من دون أن تؤدّي إلى تقديم دليل واحد أو تلجأ إلى تسمية الأمور بمسميّاتها الحقيقيّة.

إنطلاقاً من خطابات النوّاب في الجلسة، كان من المفترض أن يعيش رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ حالة من القلق، بسبب الخوف من عدم حصولها على ثقة المجلس، نظراً إلى أنّ خطابات أغلب النواب، الممثلين في مجلس الوزراء أو الذين يشكلون الأغلبية له، أقرب إلى المعارضة منهم إلى الموالاة، فمعظمهم أبدوا لا ثقة، لكن في نهاية المطاف سيمنحونها لها.

في السياق نفسه تأتي "بدعة" جديدة، فالنائب من المفترض في ​جلسة الثقة​ أن يعلن منحها أو حجبها، لكن عدداً لا يستاهن به من المتحدّثين أعلنوا عن ثقة "مشروطة" محدّدة بمهلة زمنيّة (البعض تحدث عن 100 يوم)، بينما هذا "الشرط" لا يقدّم ولا يؤخّر، فالنائب لا يستطيع إفرادياً، في حال لم يعجبه الأداء، سحب الثقة التي يكون قد منحها، إلا بحال طُرح التصويت على الثقة من جديد، وبالتالي مفعول عودته عنها سيكون فقاعة إعلاميّة فقط.

في المحصّلة، سيكون ​اللبنانيون​، اليوم وغداً، على موعد مع فصول جديدة من "المسرحيّة" نفسها، المعروفة النهاية مسبقاً بنيل الحكومة الثّقة، حيث سيعتلي عدد من النواب المنبر لطرح ملفّات سياسيّة، ربما تكون طُرحت سابقاً، لا علاقة لها بالبيان الوزاري، على أمل ألاّ تؤدّي إلى توتير الأجواء في الشارع كما حصل مساء الأربعاء.